Parliamentary elections
ليس من السهل إقناع كثير من اللبنانيين بأنّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها وفي الظروف الملائمة لها في ظل الأجواء الملبدة التي تعيشها البلاد. فالمسؤولون عاجزون عن الحسم وسط التشكيك المستمر بحجم الاهتمام الدولي بلبنان نتيجة الأزمات الدولية المتفاقمة، ووجود اقتناع لدى البعض بقدرة اهل المنظومة على تعطيل الرعاية الدولية للانتخابات. فالتجارب السابقة توحي بإمكانية التلاعب بها و«لبننتها». وعليه ما هي السيناريوهات المحتملة؟
يمكن للمشكّكين بالعملية الانتخابية التمادي في شرح عشرات النظريات والقراءات المؤدية الى تعطيل الانتخابات النيابية والأسباب الموجبة التي يمكن ان تُفضي الى هذه النتيجة. فحجم الهواجس لم يتراجع لدى فئات واسعة نتيجة عدد من العوامل الداخلية والخارجية التي يمكن ان تنعكس على الساحة اللبنانية بنحوٍ درامي في اي وقت ينساق اللبنانيون فرادة وجماعات الى ما لا يرغبون به.
وإن انطلق أصحاب هذه المقولة مما يتلمّسونه من برودة في التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي ومع المهل الدستورية التي تتحكم بمجرياتها، فإنهم لا يرون في تفسيرها ما يكفي للحسم بمصير الاستحقاق. وان ربط البعض هذه الحال بالإجراءات المتخذة في بعض المصارف في شأن فتح حسابات جديدة تطبيقاً لقانون الانتخاب ومن اجل مراقبة حركتها والتدقيق في ما يسمّى «الانفاق الانتخابي» فإنّ ذلك بات في حُكم المنحل. فالتعاميم التي صدرت عن حاكمية مصرف لبنان ستعالج هذا الوضع في الايام القليلة المقبلة مع اعتماد آلية جديدة لحسم العملية. وهو أمر يمكن معالجته بعد أن أُعيد العمل بالإجراء القديم الخاص بالمرشحين الذين يخضعون للعقوبات الاميركية عبر حساب خاص في وزارة المال يمكن إخضاعه لآلية المراقبة لدى الاجهزة المختصة في هيئة الإشراف على الانتخابات.
لا تقف التوقعات السلبية عند هذه المعطيات الادارية والمالية المحدودة التي لا يمكن ان تؤثر في مصير الانتخابات طالما انّ المخارج لها متوافرة، فإنّ هناك من يقيس مصيرها بالعوامل السياسية بوجهيها الداخلي والخارجي. وان دخلت في التفاصيل المُملّة تصل الى الربط القائم بين الساحتين الداخلية والخارجية في ضوء التطورات الاخيرة في الجنوب المتأتية من تسلل مُسيّرة «حزب الله» الى الاجواء الاسرائيلية التي رفعت من سخونة المواجهة الايرانية ـ الاسرائيلية وما تخفي خلفها من أدوار لقوى خارجية يمكن ان تدخل على الخط لتسعير المواقف. وهي مؤشرات تفيض بملامح سلبية ربطاً بتطورات الملف النووي الايراني الغامضة والمتأرجحة بين إمكان التوصّل الى تفاهم بين طهران ومجموعة الـ (5+1) او عدمه، كما بالنسبة الى تعثر المساعي المبذولة من اجل عقد الجولة الخامسة من المفاوضات المجمدة بين ايران والمملكة العربية السعودية منذ الجولة الرابعة في 20 ايلول الماضي، والتي كانت متوقعة قبل اسابيع قليلة نتيجة المساعي العراقية وتلك التي تساهم فيها سلطنة عمان والتي ردّت اسبابها الى تصعيد الحوثيين بطائراتهم المسيرة والصواريخ البالستية التي استهدفت دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعليه، تُبدي المراجع الديبلوماسية التي واكبت هذه التطورات قلقها من نقل «حزب الله» شكل المواجهة مع اسرائيل الى المجال الجوي. فالأمر لا يقف عند عملية الاستطلاع التي قامت بها المسيّرة ونتائجها السياسية والمعنوية والتي يمكن مواجهتها بطرق مختلفة، إنما في حجم التصعيد السياسي الذي صَبّ، بحسب المراجع المعنية، في مجرى التهديدات الايرانية المباشرة في المنطقة كما تراها اسرائيل وحلفائها وليس بالمقاييس اللبنانية وتردداتها الداخلية التي عبّرت عنها السلطة بـ«الصمت المريب» الناجم من العجز المتمادي في لجم هذه التصرفات في وقت اقتصرت فيه الردود الداخلية على مواقف القوى السياسية والحزبية التي لا يمكنها إجراء اي تعديل على استراتيجية الحزب خارج كل المعايير اللبنانية الداخلية.
وعلى هذه الخلفيات، تضيف المراجع الديبلوماسية عينها، انّ المخاوف لا تشمل احتمال تطيير الانتخابات النيابية فحسب، إنما تزيد من احتمالات زيادة التأزم السياسي الملازم للتحضيرات الانتخابية وموجات التصعيد المحتملة على اكثر من مستوى. وهو أمر قد يُفضي الى تراجع الاهتمام الدولي بلبنان على رغم من المواعيد المضروبة لموفدين دوليين في اتجاه لبنان. فإلى الزيارة المحتملة لوزير الخارجية الفرنسية الى بيروت، والتي تم ربطها بتطورات الازمة الروسية ـ الاوكرانية، فإنّ المبادرة الكويتية ستكون على طاولة مجلس التعاون الخليجي في الأيام المقبلة بما فيها الرد اللبناني عليها الذي عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه في حديثه الى جريدة «الاهرام» المصرية وما يمكن ان تحمله من ردات فعل باتت على الأبواب ولن يطول انتظارها.
والى هذه المعطيات ثمّة مخاوف لها ما يبرّرها من تعثر المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي في ظل غياب «خطة النهوض الاقتصادية» والنقاش المحموم حول موازنة العام 2022 الذي قد يمدد فترة البَت بها الى مرحلة تلي المواعيد الانتخابية، فإنّ الأنظار تتجه الى مصير المقترحات الاميركية في شأن الترسيم البحري للمنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان واسرائيل. وهي بكثير من المعاني التي تحملها من المحطات الضاغطة التي على لبنان ان يقول الكلمة الفصل فيها وخصوصاً ان صحّت المعلومات التي قالت ان الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين حدّد مهلة لا تتجاوز منتصف الشهر المقبل لتلقّي أجوبة لبنان عليها. فهي بالنسبة الى العوامل الداخلية المؤثرة في الاستعدادات الانتخابية تتزامن مع احدى أبرز المهل الخاصة بها عند إقفال باب الترشيحات النيابية والتي تعدّ عاملا مؤثرا في رسم خريطة التحالفات المتعثرة في اكثر من دائرة انتخابية.
وبناء على ما تقدم، تبدو العودة الى الضغوط الخارجية التي تمارسها اكثر من شخصية وهيئة دولية لتأكيد ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها على محك التجربة مرة أخرى. فبعض القوى اللبنانية تتطلع اليها على انها تدخّل مباشر في مجريات العملية الانتخابية. وإن توافرت لها الفرصة ستواجهها بما تمتلكه من قوة بُغية تعطيلها وسط عدد من السيناريوهات المحتملة بوجوهها المقدرة سياسيا وماليا وربما امنيا. فلا ينسى الديبلوماسيون المتوجّسون، سلسلة المناورات الداخلية التي عطلت المبادرة الفرنسية على مدى عام ونصف عام التي نجحت في «لبننتها» ونَزع كل ما يمسّ قوة المنظومة المتحكمة بالبلد الى ان تم تعطيلها سياسيا وماليا قبل القضاء عليها حكومياً. وما يزيد في الطين بلة أن يؤدي اي موقف خليجي وعربي رافض لمضمون «الورقة اللبنانية» رداً على «المبادرة الكويتية» مناسبة أخرى لنسفها، فكل التطورات في اليمن ولبنان ومناطق التوتر في المنطقة لا تبشّر بالخير.
وعليه، طرح السؤال في اكثر من غرفة مغلقة، هل ستنعكس النتائج المقدرة، اذا حملت مواقف سلبية بنحو مأسوي، على مصير الانتخابات النيابية التي أرجِىء موعدها الى آخر أسبوع يفصل عن نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي ليفرض أي استحقاق مفاجىء لا قدرة لأحد على مقاومته تأجيلاً تقنياً لها. ليفتح النقاش على مصراعيه حول هذه المهلة الجديدة وعما اذا كانت قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية في الخريف المقبل أم الى ما بعدها؟