IMLebanon

ماذا بعد 15 أيار؟

 

يكثر الكلام في الآونة الأخيرة عن نيّات مبيتة لتطيير الانتخابات النيابية، ولكن بمعزل عن ذلك وحتى لو حصلت الانتخابات فإن السؤال الأهم ماذا بعد هذا الاستحقاق؟ وهل البلاد مقبلة نحو مزيد من الفراغ والانهيار؟ وهل إمكانية التسوية السياسية واردة؟

وصل لبنان إلى مفترق طرق لم يعد بالإمكان معه تمديد الوضع القائم، فإذا أُطيح بالانتخابات يواصل البلد انزلاقه إلى الأسوأ، وفي حال حصول الاستحقاق النيابي يُستبعد حصول الاستحقاق الرئاسي، ما يعني ان الانتخابات النيابية لن تنتج حكومة ولا رئاسة جمهورية، إنما ستنقل البلد من الستاتيكو الدستوري إلى ستاتيكو الفراغ لثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول لأنّ «حزب الله» لن يسمح بتأليف حكومة أكثرية في حال حوّلته الانتخابات إلى أقلية، كما ان الرئيس ميشال عون لن يوقِّع مراسيم حكومة جديدة لا تتناسب مع وضعه في نهاية ولايته ووضع حليفه الحزب.

السبب الثاني لأنّ الأكثرية الجديدة او «البلوك» السيادي لا يمكنه الدخول في تسوية مع «حزب الله» والعهد بعد الانتخابات، وإلا يكون في موقع المتناقض مع طروحاته وسعيه لإنقاذ البلد الذي لم يعد بالإمكان انقاذه بالشراكة مع الحزب.

السبب الثالث لأنه يستحيل الاتفاق على رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة وحكومة من دون تسوية سياسية، والتسوية متعذرة في ظل الانقسام العمودي، كما ان تكرار تسوية العام 2016 غير ممكن لثلاثة اعتبارات أيضا:

الاعتبار الأول لأن الرئيس ميشال عون يريد أن يسلِّم رئاسة الجمهورية إلى النائب جبران باسيل، ولن يكون في وارد التساهل على هذا المستوى، ولن يقبل بأي اسم لا يكون له فيه الحصة الأكبر.

الاعتبار الثاني لأن «حزب الله» يعتبر رئاسة الجمهورية حجر الزاوية على مستوى السلطة التنفيذية، ومع صعوبة تكليفه لرئيس حكومة من 8 آذار تجنّباً لاستفزاز البيئة السنية وعمقها السعودي، يصبح تعويله على رئيس مقرّب من سياساته استراتيجيا وألا يشكِّل أيضا مع رئيس الحكومة فريقا واحدا.

الاعتبار الثالث لأن «القوات اللبنانية» والفريق السيادي الفائز في الانتخابات لا يمكن ان يقبل برئيس للجمهورية لا يحمل توجهات سيادية واضحة ويضع زيحاً في العلاقة مع «حزب الله» من أجل رسم حدود العلاقة بين الجمهورية اللبنانية وجمهورية الحزب.

وكان «حزب الله» يتمنّى طبعاً لو كانت الانتخابات النيابية بعد عام من اليوم من أجل تمديد الوضع القائم، خصوصا انه من غير المعروف بعد ما إذا كانت مفاوضات فيينا النووية ستنتج شيئا من عدمه، ولكنه أمام خيارين يصلان إلى النتيجة نفسها، فلا عدم إجراء الانتخابات يتيح له شراء الوقت لأن التفاهم على رئيس للجمهورية يتطلب مناخات سياسية غير متوافرة، وبالتالي سيصطدم بالفراغ والتسخين السياسي الناتج عن التمديد، ولا إجراء الانتخابات التي لن تكون نتائجها لمصلحته يعطيه فرصة إبرام تسوية لمصلحته، لأن الفريق الفائز لن يمنحه هذه الفرصة، كما انه ولو خرجت الانتخابات بتوازن سياسي، فإنّ هذا التوازن لن يولِّد تسوية، وبالتالي في حالتي إتمام الانتخابات أم عدمها النتيجة نفسها، وهي وصول البلد إلى الفراغ الدستوري.

ويختلف الفراغ هذه المرة عن الفراغ في العام 2014 بسبب الانهيار المالي من جهة، والعزلة الخارجية والخليجية تحديدا من جهة أخرى، والسؤال المطروح بقوة اليوم: هل يمكن الحفاظ على الاستقرار بحده الأدنى في ظل الفراغ المفتوح على الانهيار والانقسام والعزلة، أم ان الفراغ سيقود إلى تسريع الانفجار والفوضى والتدخُّل الدولي لإبرام تسوية جديدة؟ وهل من مصلحة القوى السيادية الذهاب إلى تسوية تمدِّد الوضع القائم ولو نجحت في تحسين شروط هذه التسوية لمصلحتها، أم ان مصلحتها الدفع نحو تسوية جذرية على غرار اتفاق الطائف وليس ما جرى في التحالف الرباعي واتفاق الدوحة وتسوية العام 2016؟

ومع خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة البرلمانية فقد الفريق الآخر الشخصية التي كانت تأخذ على عاتقها وكاهلها البلد إلى تسويات تحت عنوان ان الاستقرار أهم من طبيعة التسوية، فيما أظهرت الوقائع ان التسويات أخّرت الانهيار الذي تبيّن ان لا مفرّ منه لأن التعايش بين مشروعين ومنطقين وأولويتين سيصل في نهاية المطاف إلى ما وصل إليه، وبالتالي من الخطيئة الذهاب إلى تسويات مرحلية تشكل استمرارا للانقلاب على اتفاق الطائف الذي بدأ في العام 1990 مع النظام السوري وتواصل في العام 2005 مع «حزب الله».

فهناك فرصة جديدة بعد فرصة انتفاضة الاستقلال لا يفترض بالقوى السيادية تفويتها وتضييعها، وهذه الفرصة لا تأتي سوى في ظروف معينة، والظرف الحالي المتمثِّل بالانهيار والعزلة والانقسام أكثر من مؤاتٍ لإعادة تركيب البلد على أسس جديدة في حالتي تطيير الانتخابات او إتمامها، ولا مصلحة بالذهاب إلى ميني-تسوية سيتم إجهاضها عاجلا أم آجلا على غرار إجهاض كل التسويات التي سبقتها، لأن الفريق الحاكم لا يستطيع التعايش مع غيره إلا بشروطه، وأجندته التوسعية ستمنع اي تغيير او إصلاح وتصطدم مع كل من يحاول الدفع نحو قيام الدولة، فضلا عن ان هذا الفريق يتعامل، تأسيسا على التجربة معه، على طريقة القضم المتواصل ولا يلجأ إلى الاستيعاب سوى عندما يشعر انّ الأمور اقتربت من حافة الانفجار، فيتراجع بعض الخطوات إلى الوراء تلافياً لهذا الانفجار، وعندما تعود الأمور إلى مجاريها يواصل قضمه وتمدده وتتواصل معه الأزمات.

وفي خضمّ كل ذلك يبقى السؤال الأساسي الذي لا إجابة عنه، واي إجابة لا تخرج عن سياق التقدير السياسي: ماذا بعد 15 أيار في حالتي التمديد والانتخابات؟ فالرئيس ميشال عون لن يسهِّل تأليف حكومة سوى بشروطه ومن الأفضل له استمرار حكومة تصريف الأعمال ليأتي من يبرر له الاستمرار في القصر الجمهوري، ويستحيل الخروج من الفراغ الرئاسي والحكومي من دون تسوية سياسية، والتسوية مستحيلة بالشروط القديمة على وقع انتخابات وتعبئة شعبية وانهيار مالي وانسداد سياسي.

ومَن أوصلَ الوضع إلى ما وصل إليه هو العهد والحزب، ويتحمّلان بالتكافل والتضامن مسؤولية الأزمة، ولن يتمكنا من الخروج من هذه الأزمة-الورطة سوى بمساعدة الفريق الآخر، فهل سيأتي من يتبرّع لإنقاذهما، لا إنقاذ لبنان، من ورطتهما، أم ان الفراغ المفتوح سيدفع المعنيين من الجهة المقابلة للثنائي العهد والحزب إلى رفع عنوان أوحد لإنهاء الأزمة: الذهاب إلى مؤتمر دولي على غرار مؤتمر الطائف، لأن كل ما هو خلاف ذلك يشكل تمديدا للواقع المأزوم بأوجه مختلفة.