يخوض «حزب الله» الانتخابات النيابية تارة تحت شعار «نحمي ونبني»، وأخرى في ظل التحريض على معارضيه لأنهم ينوون التطبيع مع إسرائيل، أو باتهام خصومه بأنهم يريدون تأمين أكثرية نيابية من أجل الإتيان بحكومة وبرئيس للجمهورية يعتمدان سياسة هؤلاء الخصوم.
والتهمة الأخيرة ليست تهمة. فمعارضو سطوة «حزب الله» على السلطة السياسية منذ أن جرت التسوية التي حملت العماد ميشال عون إلى الرئاسة الأولى يقولونها في وضح النهار، بأنهم يسعون إلى برلمان لا يكرّر خطأ تشكيل الحكومات التي تعطي الثلث المعطل لفريق يمكنه أن يعرقل اجتماعاتها ساعة يشاء، ولا يستعيد تجربة انتخاب رئيس للجمهورية ينتمي إلى محور الممانعة ويمدّد الحقبة العونية التي سلمت للنفوذ الإيراني في إدارة البلد وفي استتباعه للمعارك الإقليمية التي تخوضها طهران منذ سنوات.
ما لا يعترف به «الحزب» أن اتساع رقعة المعارضة اللبنانية لهيمنته بات أكبر من السابق بصرف النظر عن نتائج الانتخابات التي ستجرى على أساس قانون يشوه التمثيل الشعبي باسم اعتماد النسبية، في وقت جرى تفصيل الدوائر على قياس تسهيل الربح لحلفائه، وتمّ اعتماد الصوت التفضيلي فيه بهدف إنجاح المتطرفين في طوائفهم الذين يجيدون استنفار العصبيات المذهبية والطائفية باسم الدفاع عن الحقوق واسترجاع الصلاحيات للرئاسة الأولى. بل إن ما لا يدركه «الحزب» أن اضطراره إلى التساهل مع التعبئة الطائفية التي يمارسها حلفاؤه في الوسط المسيحي، مقابل وقوفهم مع خياراته الإقليمية ومع احتفاظه بسلاحه لأنه احتياطي فائض القوة الذي يمكن استخدامه في الداخل لمواجهة خصومهم المحليين، ينقلب عليه لأن الجمهور المستنفر بلغة طائفية بغيضة يسهل عليه توجيه هذا الاستنفار ضد «الحزب» نفسه.
يعيب «الحزب» على خصومه أنهم يريدون الإتيان برئيس للجمهورية من غير محور الممانعة لأنه يطمح إلى رئيس يكرّر ما قاله عون في حديثه لجريدة «لا ريببليكا» في روما، عن أن سلاح «الحزب» موجود لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، في وقت لم يعد قلب الصفحة على رئيس من هذا النوع مطلب القوى السياسية والطائفية الرافضة لسياسات عون وسلوك «الحزب» فقط، بل بات مطلباً للمسيحيين قبل المسلمين المعارضين لجنوح فريقه نحو الاستفراد بالسلطة والاستئثار بالقرار، على حساب التوازنات التي يقوم عليها لبنان وعلى حساب رئاسة الحكومة وسائر المؤسسات.
إذا كان يغيب عن «الحزب» أن تكرار تجربة الرئيس عون باتت من المستحيلات، سواء على صعيد الموقف المسيحي أو على صعيد الموقف الخارجي، نتيجة نشوة القوة التي تتلبسه جراء الرياح الآتية من مفاوضات فيينا، فإن ذلك يؤشر إلى طغيان الرغبات العمياء العاجزة عن التقاط التغييرات في الأطياف اللبنانية.
خلال عظة الأحد في قداس الصرح البطريركي تحدث البطريرك الماروني بشارة الراعي عن زيارته لمصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتقصّد القول إن الأخير»انتشل مصر، وأجرى الإصلاحات الضرورية، ووحّد قرار الدولة ومرجعيتها. دولة لبنان تنتظر مثل هذا الرئيس لينقذ شعبها». هل من كلام أكثر وضوحاً عمّا تريده المرجعية المسيحية؟ فإذا كان حرص الراعي على أدبيات العلاقة مع الرئاسة وعلى رمزية احترام من يمثل الموارنة والمسيحيين في قمة السلطة مفهوماً، فيلجأ إلى التورية، ألا يستبطن كلامه تحديداً لمواصفات الرئيس، مغايرة لتلك التي فرضها «الحزب» ويسعى إلى فرضها مجدداً؟
إستعجل الراعي أن يتم استحقاق الانتخابات النيابية ثم يستعجل الخلاص بـ»أن يعقبه انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل شهرين من نهاية ولاية الرئيس الحالي بموجب المادة 73 من الدستور»، لأن «من شأن الرئيس الجديد أن ينهض بالبلاد وينتشلها من المحاور إلى الحياد».
لم تكن مصادفة أن يرسل البابا فرنسيس تهنئته للبطريرك الراعي بمرور عشر سنوات على تنصيبه على رأس الكنيسة المارونية، وبعد ساعات قليلة من عودة الرئيس عون من لقائه الحبر الأعظم في الفاتيكان.
ولم تكن مصادفة أن يتولى السفير البابوي المطران جوزيف سبيتيري نقلها بطريقة علنية أمام عدسات التلفزة مع رسائل التهنئة لكبار المسؤولين في الفاتيكان.