IMLebanon

مصدر ديبلوماسي فرنسي يدعو إلى التخلّي عن “وهم” ربط لبنان بـ”فيينا”

 

“الإنتخابات ستحصل ولم نراهن يوماً على التغيير في هذه الدورة”

دعا مصدر ديبلوماسي فرنسي اللبنانيين إلى الإقلاع عن وهم ربط مصيرهم بالحلول من الخارج مثل نتائج مؤتمر فيينا، مؤكداً أن لا مشروع راهناً للدعوة إلى مؤتمر دولي من أجل لبنان، وأنه لم يكن لفرنسا في أي مرة أوهام بأن التغيير في لبنان سيأتي من خلال الانتخابات النيابية المقبلة. وكشف أن فرنسا لعبت دور الوساطة بين لبنان ودول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية من أجل إعادة انخراطها في إعادة تنمية لبنان لأن لا نهوض اقتصادياً لبنانياً من دون دول الخليج.

 

وقال المصدر عمّا يتردد بين الحين والآخر حول إمكان تأجيل الانتخابات النيابية، إن المجتمع الدولي موحد على ضرورة إجرائها في موعدها المحدد دستورياً وليست محددة من قبل المجتمع الدولي، الذي يعتبرها اختباراً لقدرة السلطات اللبنانية على الوفاء بالتزاماتها. وذكّر بأهمية الموقف الدولي بالإشارة إلى أنه حين أكد الاتحاد الأوروبي ضرورة إجرائها في موعدها، وضع إطاراً لعقوبات في حال لم يحترم موعدها، قد تستخدم وقد لا تستخدم. اللبنانيون توّاقون لإجرائها، لأنهم يعيشون وضعاً صعباً منذ 3 سنوات، وحتى تاريخه التحضيرات جارية وقطعت شوطاً، ولا عائق أمامها ونعتقد أنها ستجرى.

 

وشرح المصدر المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي عبر الأمم المتحدة لتأمين التكاليف المالية والعملية واللوجستية للانتخابات «وهي بقيمة 7 ملايين يورو من أصل موازنة الـ15 مليون يورو كمصاريف العملية الانتخابية ونعتقد أنها كافية». كذلك تناول التحرك الذي قامت به الديبلوماسية الفرنسية مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الداخلية والمال ومع رئيس البرلمان نبيه بري للتأكد من إقرار قانون صرف المبالغ المالية. فإذا كان هناك من عائق أمام الانتخابات فهو ليس تقنياً بل سياسياً.

 

وإذ رفض المصدر نفسه التعليق على اتهام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله بعض السفارات والسفارة الأميركية بالتفكير بتأجيل الانتخابات ولو بضعة أشهر، لأن استطلاعات الرأي بيّنت أن فريقه سيحصل مجدداً على الأكثرية، قال: «أترك له تحمل مسؤولية تصريحاته، لكن المجتمع الدولي موحّد حول ضرورة إجراء الانتخابات وهو ما يهم الدول الغربية كافة والولايات المتحدة الأميركية أيضاً، ولم نتحدث في أي مرة عن فكرة أي تأجيل لها. والإجماع الدولي يشمل روسيا والصين».

 

وعن الحوار الذي تخوضه الديبلوماسية الفرنسية مع «حزب الله» يشدد المصدر على أن فرنسا تتكلم مع كل الأطراف اللبنانيين وهناك تعامل بالتساوي معهم، وليس من العادة أن نكشف ما نتناوله معهم، ويمكن أن يكون هناك توافق وربما لا. ونتحدث بكل ما يمسّ استقرار لبنان ومساندة الشعب اللبناني، ولا رقابة ذاتية على أي موضوع، ونحن متواجدون على الأرض ونتحدث بالأسلوب نفسه مع كل الفرقاء والطوائف والأحزاب حول استقرار لبنان والحرص على تعدديته، حتى لو كانت لا تتناسب مع تطلعات هذه الأطراف.

 

وقال المصدر إنه «لا يعود إلى الدول أن تحدد ما إذا كانت الأكثرية الحالية ستتجدد نتيجة الانتخابات، والمجتمع الدولي يدعو اللبنانيين إلى الاقتراع وإذا اعتبروا أنه لن يتغير شيء نحن ندعوهم إلى التصويت».

 

ورداً على سؤال عن احتمالات التغيير في الطبقة السياسية نتيجة الانتخابات قال المصدر الديبلوماسي الفرنسي إن بلاده «لم تعتقد مرة أن هذه الانتخابات وحدها ستغير في الطبقة السياسية الموجودة منذ 40 سنة، بل هي مرحلة أولى تخلق دينامية وتمهد لمراحل أخرى فهناك الانتخابات الرئاسية المقبلة، ثم الانتخابات البلدية العام المقبل. كما أن التغيير يحصل أيضاً بتصحيح الوضع الاقتصادي والنهوض به. والتجديد يحصل رويداً رويداً».

 

وأكد المصدر أن «هناك اجتماعات تعقد مع ممثلي المجتمع المدني الذي يتوزع على نوعين: جزء غير منخرط بالعمل السياسي وعابر للطوائف والمناطق والمؤسسات الدينية يقوم بمبادرات لمعالجة المشاكل الاجتماعية يتمتع بدينامية مذهلة وخلاقة تفاجئنا. ندعمهم نحن والجانب الأميركي. وجزء لديه التزام سياسي انبثق من الثورة ويتوق إلى التغيير التقيناهم وأصغينا إليهم ونظمنا لقاءات معهم وكذلك حين زار بيروت وزير الخارجية جان إيف لودريان، لأننا نؤيد التعددية التي يتمتع بها البلد وهم يشكلون خياراً سياسياً، وهدفنا مساعدة اللبنانيين التواقين للتغيير وكل ما يغني التعددية، من دون أن نبدي رأينا في انقسامهم».

 

ويمتنع المصدر الديبلوماسي عن الإدلاء بأي رأي حول التوقعات من الانتخابات: «علينا الانتظار، لأننا لا نعرف كيف سيقترع اللبنانيون وليس لنا أن نقول هذه النتيجة جيدة أو غير جيدة. إنها مساحة للتغيير، ودينامية معينة وفرصة ليظهر التغيير عبر اللعبة الديموقراطية. فليقترع اللبنانيون وليختاروا من يشاؤون ولا أحد يمكنه التنبؤ بالدينامية التي تنجم عنها، لكن اللبنانيين يتمنون تغييراً ملموساً في حياتهم».

 

وعن كيفية تعامل فرنسا مع لبنان بعد الانتخابات خصوصاً إذا حصل ما يخشاه البعض من فراغ حكومي ورئاسي، شدد المصدر على أولويتين: «التصحيح والنهوض الاقتصادي ونحن سهلنا الاتفاق مع صندوق النقد الذي يحتاجه اللبنانيون الذين يعيشون وضعاً لا يحتمل، ثم هناك الانتخابات الرئاسية وبعدها البلدية العام المقبل، وسنرى كيف تتطوّر الأمور. ومع ذلك يحتاج الأمر إلى متابعة. التجربة علّمتنا التعاطي مع كل مرحلة من المراحل في ظرفها».

 

وأشار المصدر الديبلوماسي الفرنسي إلى أن «المعطيات الدولية باتت مختلفة بسبب الحرب في أوكرانيا. ضربتم الرقم القياسي في الفراغ وسنتعاطى مع الأمور خطوة بخطوة. وسنتكيف وفق الظروف وسنرى ماذا سيحدث». لكنه نبّه، رداً على سؤال حول انعكاس الانتخابات الرئاسية الفرنسية على لبنان، إلى أنه «إذا أعيد انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون سيبقى لبنان أولوية على أجندته، وإذا انتخبت مارين لوبين سيبقى لبنان أولوية بالنسبة إلى الفرنسيين». إلا أنه لفت إلى أن «النافذة التي فتحتها فرنسا لدعم لبنان من قبل المجتمع الدولي بحشد من باريس، قد تُغلق، إذا لم يحصل تقدم بالخطوات المطلوبة من لبنان. وتساءل إذا كان بالإمكان تنظيم مؤتمرات كالتي عقدت في السابق من أجل لبنان.

 

وكشف أن «فرنسا قامت بدور الوساطة بين لبنان ودول الخليج العربي جراء الأزمة التي اندلعت وسعت لعودة السفراء الخليجيين إلى بيروت، نظراً إلى أن دول الخليج شريك استراتيجي لها»، مذكراً «بزيارة الرئيس ماكرون للإمارات والسعودية في كانون الثاني الماضي، في تحرك من أجل تفادي تصعيد العقوبات ضد لبنان الذي وضعه هش ولا يمكن أن تنقطع علاقته مع بيئته العربية ودول الخليج. فلا نهوض اقتصادياً ولا تصحيحاً لماليته من دون دول الخليج. وهذه الوساطة من ضمن سعي فرنسا إلى وضع لبنان على الأجندة الدولية. وهي الدولة الوحيدة التي بحوارها مع اللاعبين الدوليين والإقليميين وبجهد من ماكرون تم وضع لبنان على الأجندة الدولية، رغم أنه ليس أولوية. إلا أن لبنان يجب أن يساعد نفسه ويساعدنا بتطبيق الإصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي وفرنسا واللبنانيون أنفسهم. ولا يمكن للدول الأخرى أن تقوم بالعمل بالنيابة عن اللبنانيين». وشدد على أن «تناول موضوع لبنان مع دول الخليج بإقناعها بالعودة إلى الانخراط في دعمه، حصل لأن هذه استراتيجية جيدة فكيف يمكن تنمية لبنان من دون دول الخليج؟ وقلنا لهم إن لكم دوراً تاريخياً في لبنان فالسعودية دولة سنية كبيرة وفي لبنان قسم كبير من السنة، ولديكم روابط صداقة قديمة تجمعكم مع شعبه الذي يقيم كثر منه في الخليج وساهم في نموه، ووضع عقوبات عليه لن يغير الواقع، بل لبنان في حاجة إليكم. وهم أخذوا القرار بالعودة. وهناك عمل مشترك مع الجانب السعودي على مشاريع إنسانية مشتركة».

 

وحين سئل المصدر الديبلوماسي الفرنسي عن أن اتفاق فيينا سينعكس لمصلحة «حزب الله» في لبنان في حال رفع الحرس الثوري الإيراني عن لائحة الإرهاب من قبل أميركا، رأى أن «على اللبنانيين أن يكفوا عن الاعتقاد بأن مصيرهم مربوط بالخارج، وأن عليهم أن يفككوا ما يشبه الخرافة فالبلد مثل كل الدول ليس فريداً من نوعه كأي بلد موجود في بيئة جغرافية معينة يتأثر بها. وفي أوروبا الدول تتأثر بما يجري في محيطها. لدى اللبنانيين القدرة على ربط الحلول بالخارج في وقت يجب أن يعملوا هم من أجل الحل. فهل مشكلة الكهرباء حلها في فيينا، أو النفايات؟… المفاوضات تتناول النووي بطريقة تقنية بحتة، ولا بحث بالقضايا الإقليمية. إذا توصلوا لاتفاق ربما يُفتح الباب لانفراجات لمناقشة الاستقرار في المنطقة وقد يستفيد من ذلك لبنان. المقاربة الممكنة هي أن لبنان يتعرض لتأثيرات خارجية لكن هناك كمية من المشاكل حلها بيد اللبنانيين في الداخل، ويجب الانتباه إلى طريقة التفكير هذه. كما أن إيران لم تقبل أي مرة بحث القضايا الإقليمية. ويجب التخلي عن وهم بأن مصيركم مرهون بالمنطقة، إنه وهم متجذر في بلدكم ونحن مصدومون من أن اللبنانيين يبحثون عن خلاصهم في مفاوضات فيينا».