يمكن للانتخابات النيابية المقبلة أن تكون انتخابات تأسيسية، بمعنى التأسيس للإنتقال من نهج الى آخر، ويمكنها أن تكون كذلك بمعنى تثبيت النهج القائم الذي هو نتاج مرحلة الحكم السوري في صيغته المكمّلة التي فرضها اجتياح 7 ايار وتُرجمت في اتفاق الدوحة.
ذلك الإتفاق أرسى تعيين رئيس الجمهورية وجعل من النواب في المجلس النيابي عدداً من رافعي الأصابع بالموافقة، وابتدع فكرة الثلث المعطّل في حكومات يجب ان تكون بالضرورة حكومات وفاق وطني، فأنهى المعارضة النيابية بل والمجلس النيابي مرةً ثانية، واستبق بذلك إمكانية التغيير بواسطة الأكثرية النيابية، فجعل تلك الأكثرية كمية فائضة وهذا ما تمت ترجمته في انتخابات 2009، عندما فازت 14 آذار بالغالبية فمُنعت من تشكيل حكومتها، وسرى المنطق نفسه على نتائج انتخابات 2018. في المرتين لم يعد للانتخابات العامة أي جدوى.
في الانتخابات المقبلة بعد أقل من شهر يُفترض أن تكون دروس الماضي القريب قد تركت أثراً في رأي الناخب كما في رأس المرشح. فنتائج هذا الماضي تعيش وتحيا الآن في صورة أزمة وطنية عامة على مختلف الصعد. الذين صنعوا اتفاق الدوحة كاستمرار لأصحابهم صانعي نظام الترويكا هم الذين جعلوا لبنان دويلات متناحرة توحدها الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية والصحية، وهم الذين ألغوا فكرة الدولة السيدة المستقلة واستباحوا الإدارة والقضاء والأمن وما تبقى من سلّم الحريات. حتى انهم مثلما تولوا عبر ازلامهم قمع اصوات الاحتجاج ضد سياساتهم في 17 تشرين، لم يتقبلوا فكرة أن يترشح أحد في وجههم في انتخابات 2022، وما حصل في الصرفند ربما لم يحصل مثله في زمن بكوات الجنوب السابقين الذين يستحقون الرحمة على مساهماتهم القمعية المغفورة.
كل ذلك يجعل الانتخابات محطةً تأسيسية. والغريب انها تصادف في 15 ايار، هذا الشهر الذي يحيل ذاكرة اللبنانيين الى التزوير في انتخابات ايار 1949، بعد 6 سنوات على الاستقلال، الا انها إذ تصادف في ايار المقبل يوم ضياع فلسطين، فالأحرى باللبنانيين في الوطن والمهجر أن يأخذوا العبرة من يوم النكبة، فلا يجعلوا انتخاباتهم مناسبة لتكريس ضياع وطنهم.