Site icon IMLebanon

هل يعطِّل السفراء سيناريو الفوضى؟

 

 

ليس في الأفق أي مؤشِّر ملموس إلى تطيير الانتخابات في 15 أيار. إذاً، لماذا الحديث الدائر في بعض الأوساط عن صيفٍ ملتهب، سياسياً ومالياً واجتماعياً، وربما أمنياً؟

حتى اليوم، تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وتشكيل حكومة جديدة على أساس نتائج هذه الانتخابات، ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

فإيران القادرة على تطيير الانتخابات بسهولة لن تفعل ذلك ما دامت مرتاحة إلى أنّ حلفاءها سيحتفظون بالغالبية وسيتحكَّمون بإدارة المرحلة المفصلية الآتية. وأما السعوديون، بتوافقهم المنتظر مع طهران، فيريدون تمرير المرحلة لبنانياً بأقلّ الأضرار.

وفي ذلك، يلتقي السعوديون مع الفرنسيين الذين تراجعوا عن ثوابت مبادرتهم التي أطلقوها في العام 2020، وقلَّصوا طموحاتهم إلى الحدود الدنيا، فبات اهتمامهم محصوراً بمنع انهيار الدولة اللبنانية. ولذلك، هم يريدون توفير الحدّ الأدنى من الاستقرار في لبنان، في انتظار اللحظة التي تسمح برعاية أي اتفاق جديد يحظى بتوافق القوى اللبنانية. وهذا تحديداً ما يحاول السفراء الغربيون والعرب تأمينه في هذه المرحلة.

ولكن، في المقابل، لم يتوقف الحديث في بعض الأوساط عن سيناريوهات سلبية قد تبدأ بعد 15 أيار. ووفق بعض المصادر، فإنّ «حزب الله» وحلفاءه يعكفون بشكل مستديم على دراسة الوقائع المتأتية عن العودة الخليجية المكثفة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، وهم يخشون أن تؤدي إلى مفاجآت، خصوصاً في الساحتين المسيحية والسنيّة خصوصاً.

فالماكينات المُجرَّبة رصدت في الأيام الأخيرة مزيداً من التغييرات في المزاج المسيحي، بما لا يَصبُّ في مصلحة «التيار الوطني الحرّ»، وستستفيد منه قوى المعارضة والقوى المستقلة والمجتمع المدني في الدوائر المسيحية، ما يوحي بتغييرات في النتائج.

وأما على المستوى السنّي، فانسحاب الحريري جعل الموقف غامضاً وأعاق قدرات الجميع على تكوين تَصوُّر واضح لنتائج الانتخابات، وهذا الأمر يقلق «حزب الله» وخصومه في آن معاً. وعلى رغم أنّ «الحزب» جهَّز باتقانٍ أحصنته السنّية للمعركة، وفي مختلف الدوائر، وعمل على تأطير ما أمكن من القواعد الناخبة المؤيّدة، فإنّه ما زال يتحسَّب لاحتمال أن تتحرَّك قواعد «المستقبل» ضدّه، بتأثير من الدينامية الخليجية المستجدة، ما قد يؤدي إلى حدوث مفاجأة في النتائج.

وهذا الاحتمال يدرسه «الحزب» بجدّية. وإذا تبيَّن له أنّ في الأمر ما يدعو إلى الشكّ، فمن البديهي أن يُغلِّب خيار تطيير الانتخابات ظرفياً، لأنّه بأي ثمن كان يتمسّك بأن يبقى الأقوى في الانتخابات الرئاسية وفي تشكيل الحكومة العتيدة وفي المؤتمر الدولي- التأسيسي المنتظر.

لكن تطيير الانتخابات النيابية- إذا حصل- لن تكون تردّداته بسيطة، وأولى التداعيات ستكون على الواقع الحكومي، إذ سيتاح لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تَهرب من استحقاق تصريف الأعمال وتستمرّ فاعلةً لتشرف على الانتخابات الرئاسية، خلال الأشهر الخمسة التالية.

وهذا الأمر يناسب ميقاتي الذي يحتفظ أيضاً بورقة قوية لتبرير البقاء في السراي، وهي التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإقرار قوانين «الكابيتال كونترول» وخطة التعافي والموازنة وسواها، وكلها مؤجَّلة إلى ما بعد الانتخابات.

لكن عدم إجراء الانتخابات سيشكّل علامة سلبية لدى المجتمع الدولي، وسيدفعه إلى المزيد من التضييق على قوى السلطة ومقاطعتها ومحاصرتها سياسياً ومالياً. وبالتأكيد، ستكون أبواب الاتفاق مع الصندوق مقفلة في هذه الحال، ومعها المساعدات العربية والدولية.

هذا الواقع سيُدخِل البلد في فصل جديد من الانهيار يصعب تحمُّله، خصوصاً في ما يتعلق بسعر صرف الليرة. فالأكلاف التي دُفعت لتثبيت سعر صرف الدولار وتأمين المحروقات والكهرباء والأدوية والأغذية، في الأشهر الأخيرة، كانت باهظة وقد تَحمَّلها المودعون مما بقي لهم في المصرف المركزي.

وسيكون المركزي أمام استحقاق التوقّف عن الدعم والتدخّل في السوق بعد 15 أيار. وإذا تأجّلت الانتخابات، فقد يؤدي تداخل الأزمات السياسية والانتخابية والمعيشية إلى انفجار اجتماعي واسع وربما أمني. وهو ما يسمّيه بعض قوى الاعتراض «الموجة الثانية» من «ثورة 17 تشرين»، والتي يَعتقد كثيرون أنّها ستكون غير منضبطة، خلافاً للموجة الأولى، ولا يمكن توقّع نتائجها.

وبالتأكيد، عندما تتعطّل الانتخابات النيابية ويجدِّد المجلس الحالي ولايته، ويستمرّ ميقاتي على رأس حكومة فاعلة بلا تغيير، سيجد رئيس الجمهورية مبرّراً للبقاء أيضاً في موقعه ريثما تُحلُّ أزمة الاستحقاقات كلها في سلّة واحدة.

والحيثيات الدستورية للبقاء سبق أن شرحها فريق الرئيس. وفي هذه الحال، سيتعذّر خروج البلد من مأزقه إلاّ بالمؤتمر الدولي- التأسيسي. وهذا المؤتمر سيبقى رهناً بموافقة المعنيين إقليمياً ودولياً.

وما يقوم به السفراء العرب والغربيون اليوم هو محاولة الدفع لإنجاز الانتخابات وإتمام الاستحقاقات الدستورية كلها بين الربيع والصيف، توازياً مع تقديم الحدّ الأدنى من الدعم السياسي والإنساني لضمان الاستقرار الاجتماعي والأمني وتجنّب سيناريو الفوضى التي يصعب تقدير عواقبها.

ولذلك، ستكون مهلة الأسبوعين الباقية قبل الانتخابات النيابية مفصلية: هل الأزمة تقترب من سيناريو الاستيعاب أم سيناريو الفوضى؟