Site icon IMLebanon

الانتخابات النيابية… سباق محموم بين التحضير والتطيير

 

بارود لـ”نداء الوطن”: الاستحقاق واجب لا يلغيه سوى حدث أمني كبير

 

هل تجري الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر في 15 أيار المقبل أو لا تجري؟ هذا هو سؤال المليون دولار. اللوائح المتنافسة أُعلنت على أساس قانون اعتُبر خلافياً في انتخابات العام 2018، ولا يزال، إذ رأى فيه البعض حفراً وتنزيلاً على قياس أطراف معيّنة. ومع ذلك، تحضيرات الماكينات جارية على قدم وساق، ورفع مستوى الجهوزية شغل المرشحين الشاغل. هذا كله صحيح. غير أن مشاكل الدورة الحالية لا تقتصر على القانون الانتخابي فحسب. فالأزمات الكارثية المتلاحقة منذ 17 تشرين 2019، كما حالة الغموض والقرف العام مما آلت إليه الأمور والتوتّرات الأمنية المتنقلة، جميعها عوامل تعزّز من فرضية إمكانية عدم حصول الانتخابات – أو، بالأحرى، تطييرها.

إذا كان حصول الانتخابات في موعدها أمراً لا بدّ منه، فكل كلام عن إلغائها هو كلام غير دستوري ويتناقض مع رغبة شريحة واسعة من اللبنانيين في إنجاز الاستحقاق. لا بل ثمة كثيرون سبق وطالبوا بتقريب موعده. فهل صحيح أن من يستطيع تعطيل الانتخابات لا رغبة له في ذلك، ومن يريد تعطيلها لا قدرة لديه على إلغائها؟ وهل تكون فاجعة غرق زورق الركاب قبالة سواحل طرابلس وتداعياتها والإشكالات المتنقلة في أكثر من منطقة إشارة إلى شيء ما قد يحصل؟ كيف هي الصورة على أرض الواقع داخلياً واغترابياً قبل موعد أول خطوة في تصويت المغتربين غداً؟ أسئلة كثيرة نجيب عنها في ما يلي.

 

إنتظار وترقّب

 

من يريد عرقلة الانتخابات وما هي الروادع؟ سؤال نطرحه على منسق اللجنة القانونية في «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد»، المحامي جاد طعمة. إذ يشير، بحسب الإحصاءات، أن لا خطر يُحدق بمقاعد الثنائي الشيعي حيث أن احتمالات خرقها شبه معدومة. بالمقابل، يمرّ حليف «حزب الله» الأساسي والمتمثل برافعته المسيحية، «التيار الوطني الحر»، بحالة تضعضع على صعيد القاعدة الشعبية وفق ما يتردّد. وهو ما قد يأتي لمصلحة أحزاب سياسية أخرى أو بعض قوى التغيير. ثمة من يقول أن من يملك السلاح قادر بالمبدأ على تطيير الانتخابات، لذا علينا أن ننتظر لنرى المصلحة الجيوسياسية لـ»حزب الله»: «هل يكفي ضمان فوز مرشّحيه، أم هو يصرّ على تمثيل داعم مسيحي وازن من خلال تحسن أداء حليفه الانتخابي؟ وهل يتحمّل «حزب الله» أن تتمثّل «القوات اللبنانية»، مثلاً، مع غيرها من القوى التغييرية بكتل كبيرة؟». مصير الانتخابات، قد يتوقف على خيارات الحزب إذاً، كما يقول البعض.

 

بالمقابل، وفي وقت ترك انكفاء تيار «المستقبل» إرثاً يتيماً في عدد من المقاعد يتصارع عليها أطراف عدة من مختلف الأطياف، يترقب المجتمع الدولي معرفة المزاج الشعبي الذي ستعكسه الانتخابات. هنا يذكّر طعمة برغبة الرئيس الفرنسي بـ»تأديب» الطبقة السياسية «الفاسدة» وإيهامه من قِبَل بعض أركانها بأن الفئات المنتخبة تمثّل خيارات الشعب اللبناني التي تُرجمت في صناديق الاقتراع سنة 2018. الضغط الدولي باتجاه حصول الاستحقاق مهما كلّف الأمر وشعور اللبنانيين برغبة داخلية ما في إلغائها، تجعل الجميع في حالة ترقّب وحذر. هل تطلّ الشرارة برأسها استتباعاً للتوترات المتنقلة والشحن المتصاعد؟ يجيب طعمة: «لا شكّ أن الأمور لا تحصل ببراءة ومن السذاجة أن نقرأ الأحداث بعفويتها، لكننا نناشد ألا تكون تلك الحوادث في طرابلس وغيرها بمثابة الشماعة لتأجيل أو تعطيل الانتخابات. لكن علينا في الوقت عينه ألا نتنكّر لواقع الغضب الذي اعترى أهالي مدينة طرابلس».

 

ماذا لو؟

 

حالة المدّ والجزر الانتخابية ليست خفيّة رغم التطمينات. وقد حاولنا التواصل مراراً مع وزير الداخلية، القاضي بسام المولوي، للوقوف على رأيه دون أن نُوفَّق. «نداء الوطن» سألت وزير الداخلية الأسبق، المحامي زياد بارود، عن تحليله لما يحصل من محاولات ومساع لعرقلة المسار الانتخابي، فأكّد أن جميع الذرائع المعلنة لإلغاء الانتخابات إنما هي حجج مرفوضة ولا يمكن بأي شكل من الأشكال القبول بها. وأضاف: «الانتخابات واجب وليست خياراً ولا شيء يلغيها سوى حدث أمني كبير. أما المعوقات الأخرى، فجميعها تفاصيل على وزارة الداخلية معالجتها». وأكمل مطالباً بإنشاء خلية أزمة لمعالجة الثغرات التي تهدد سلامة العملية الانتخابية لإعادة ثقة المواطن بنتائج الفرز. بارود تطرّق إلى انتخابات المغتربين معتبراً إياها حقاً دستورياً مكتسباً، وأن أي قرار بعدم إشراكهم هو غير دستوري. وتابع قائلاً: «المشكلة ليست في التمويل والإمكانيات وإنما في الصناديق، بدءاً بقلم الاقتراع مروراً بشركة الشحن وصولاً إلى لجنة القيد العليا. لذا، من الضروري ختم الصناديق وفقاً للأصول وتماشياً مع التقنيات الممكنة».

 

نعود إلى طعمة ونسأل ماذا لو لم تحصل الانتخابات؟ يقول: «سنكون أمام دولة فاشلة حيث الشعب اعتاد على التعايش مع عقدة احترام جلاديه وهو غير قادر على التمرّد من أجل التغيير». نتيجة لذلك، ستنتقل الدولة الفاشلة التي تسبّبت بها المنظومة الحاكمة على مدى أكثر من ثلاثة عقود إلى فشل إضافي، إن على الصعيد السياسي لناحية تكليف رئيس حكومة وانتخاب رئيس جمهورية، أو على الصعيد الاقتصادي من خلال تمادي الفشل الذي بدأ مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017، إضافة إلى نهب المال العام وانهيار العملة وسعر الصرف المتفلت. وينهي طعمة كلامه: «المشهدية عبارة عن قطع قابلة للتركيب، وخياراتنا يجب أن تكون باتجاه التغيير. لكن قوى التغيير، للأسف، لم تتّحد، إما عن قصد نتيجة الارتهانات، وإما عن غير قصد نتيجة الأنانية».

 

سفارات لناس وناس؟

 

ننتقل إلى اقتراع المغتربين وما يفوح حوله من روائح العرقلة لا سيما تأخّر وزارة الخارجية في إصدار التعاميم، والتحجج بالتكاليف كما توزيع الناخبين على مراكز بعيدة عن أماكن إقامتهم. وحيث أن مسألة نقل الصناديق، من ضمن مسائل أخرى، لم تُحلّ حتى الساعة، يلفت الصحافي وصاحب إذاعة صوت الأرز من باريس، إيلي خوري، إلى كيفية التعاطي مع المقترعين والمعوّقات التي يواجهونها. السفارة اللبنانية في باريس نموذجاً. فقد وصفها خوري بالسفارة الباسيلية كونها تبدو مركزاً لـ»التيار الوطني الحرّ أكثر منها سفارة لجميع اللبنانيين. وإذ استغرب الكلام عن صعوبة إيجاد سبل للتمويل، يقول: «يبدو أن المصاري لناس وناس، ولأشياء وأشياء. وقت يلي بدّن بيصير في مصاري، ووقت ما بدّن بيصير في شحّ».

 

أكثر المشاكل شيوعاً، بحسب خوري، هو سوء الإدارة والتنظيم ما أدّى إلى سوء توزيع الناخبين مقارنة مع أماكن سكنهم. فمن يقطن في باريس، مثلاً، جاء اسمه في مدينة ليل أو مرسيليا. والمشكلة نفسها تواجه الناخبين في أستراليا أيضاً. فبعد المراجعة، نُسب الخطأ إلى خلل في البرنامج المعلوماتي المستخدم. مع العلم أن السفارة، لو قامت بعملها كما يجب، لتفادت تلك المعضلات وما لها من تأثير على الحدّ من نسبة الاقتراع.

 

أضف إلى ذلك ما يواجهه الناخبون المغتربون على صعيد أوراقهم الثبوتية لا سيما الجوازات. ويتساءل خوري في هذا الخصوص: «لِمَ يُعامل الناخب المحسوب على «التيار الوطني الحر» بانفتاح وترحيب عند المراجعة بأي خطأ، ويُغلَق هاتف وزارة الخارجية بوجه آخرين، ولماذا تكون المراكز الحساسة في يد من هم من لون سياسي واحد؟». ماذا عن مسألة نقل الصناديق ومن سيجد لها حلاً؟ يذكّر خوري في هذا السياق بحادثة حصلت عام 2018، حيث تم نقل صندوق داخل علبة ورقية بالقطار بواسطة إحدى الموظفات… مشهد غير مقبول ولا يوحي بالثقة للناخب والمغترب اللبناني.

 

لا جدية في التعاطي

 

داخلياً، لا يختلف الوضع عما هو عليه في بعض بلاد الاغتراب. فالمعاناة متشابهة في الجوهر رغم الاختلاف في بعض التفاصيل. للإضاءة على أجواء التحضيرات في لبنان، تواصلت «نداء الوطن» مع منسقة المشاريع في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات LADE، دايانا البابا. وقد اعتبرت بداية أن المشكلة الأساسية هي عدم التحضير الجدي للانتخابات، كأن هذا الاستحقاق يُفرض على اللبنانيين بطريقة مفاجئة، وهو ما قامت الجمعية بالتنبيه إليه منذ اليوم الأول. فالمغترب نال حصته بعد أن فُتح باب التسجيل، والبلبلة التي حصلت حول تحديد موعد الانتخابات ساهمت في تشتيته وخلق حالة من الضياع لديه. وجاء استمرار الأزمة الاقتصادية ليزيد الطين بلة لا سيما في موضوع رصد الاعتمادات وصرفها للسفارات المعنية، علماً أن عملية الرصد ليست كافية وإنما إمكانية الصرف هي الأساس.

 

وتشير البابا إلى أن المسار التاريخي في عدم جدية التعاطي مع الاستحقاق الدستوري الذي يلزم حصول الانتخابات كل أربع سنوات، زاد من وتيرة الاستهتار في التعامل مع الأمور. فالتمديدان الأول والثاني اللذان حصلا بين العامين 2012 و2013 خلقا جواً من التلكؤ لدى المعنيين بحيث أصبح تطيير الانتخابات أمراً سهل المنال، ما انعكس جلياً على الانتخابات البلدية التي كان من المفترض أن تحصل في أيار الجاري و»طارت بشحطة قلم». استحقاقات على هذا المستوى لا يجب أن تؤجل، وأي إصلاح قانوني يجب أن يُعمل عليه قبل فترة من موعده. وهو ما لم يحصل والنتيجة ظاهرة للعيان.

 

LADE تعمل منذ أيلول الماضي على مستوى التحضيرات ورفع البيانات للجهات المختصة منعاً لتكرار أخطاء العام 2018. وكان من أبرز مطالبها تعيين هيئة إشراف جديدة كان يجب أن تُعيّن بعد ستة أشهر من تاريخ الانتخابات الماضية. ورغم الوعود التي أغدقها وزير الداخلية، إلا أن مشكلة النصاب في هيئة الإشراف حالت دون ذلك وتمّت الاستعاضة عنها بتعيين ثلاثة أعضاء فيها مؤخراً بعد أن كانت الحملة الانتخابية قد بدأت أصلاً. كما قامت الجمعية بتوظيف 42 مراقباً ومراقبة لرصد الحملة الانتخابية ليس فقط يوم الاقتراع إنما خلال التحضير أيضاً.

 

في معرض حديثها عن أبرز ما يعترض الجمعية خلال عملها الميداني، ذكرت البابا حجم الرشاوى التي تُدفع كما هدر المال العام، لا سيما وأن اللبناني يعاني معيشياً ما يشرّع استخدام الرشاوى تحت مسمّى «المساعدات». وهي ظاهرة منتشرة في جميع الأقضية والمحافظات دون استثناء، على عكس انتخابات العام 2018. والحل أن تحوّل أكثرية اللبنانيين إلى اعتماد النظام النقدي بدلاً من المصرفي ساهم أكثر في ذلك، لصعوبة ضبط الحالة الأولى أو مراقبتها.

 

الخطابات التحريضية والتخوينية كما ممارسة التهديد والعنف جميعها، هي الأخرى، مؤشرات سلبية توحي بضبابية الأجواء الانتخابية. فالهدف ليس فقط إجراء الانتخابات وإنما السعي كي لا تُفرَّغ الأخيرة من مضمونها ضمن إطار تنسيقي شفاف وجدّي. هل يرتفع منسوب التعاون بين كل من وزارة الداخلية والخارجية والطاقة؟ «الوعود كثيرة، لكن، عملياً، لا شيء مؤكد»، تجيب البابا. فتأمين التيار الكهربائي طيلة النهار الانتخابي حاجة ملحّة لأن خلاف ذلك من شأنه أن يؤثّرعلى سلامة العملية الانتخابية ويعرّض نتائجها للطعن. أليست هذه مسألة جوهرية تستدعي التحسّب لها بحزم؟ لنَرَ.

 

بجميع الأحوال، الأنظار الداخلية والخارجية شاخصة وستبقى. والسياسيون سيسعون كالعادة خلف مصالحهم. أما الكلمة الفصل في 15 أيار، فهي لكم أيها الناخبون والناخبات. لكن للمرّة المليون… إلا إذا.