Site icon IMLebanon

«الباراشوت» يعتدي على المتن؟!

 

 

ليس في الامكان إنكار انّ من بين المرشحين المتنافسين في الانتخابات النيابية، مَن هو أهل لخَوض هذا الاستحقاق والظفر بمقعد في مجلس النواب. وليس في الامكان أيضاً إنكار انّ من بين هؤلاء المرشحين مَن يُشعِر المراقب بإحباط مُسبق، لفقدان هذا المرشّح الأهلية المعنوية، والقدرة على ملء مقعد نيابي أكبر منه بمسافات زمنية.

بالتأكيد انّ من حقّ أي لبناني أتَمّ الخامسة والعشرين من عمره أن يترشّح للانتخابات النيابية في أي دائرة انتخابية يختارها، إن كان لطائفته التي ينتمي اليها مقعد او اكثر مخصصة لها فيها. ولكن هذا لا يعني أبداً ان يُهان الاستحقاق الانتخابي بترشيحات كيفما كان، أو أن تُهان تلك الطائفة وتُقَزّم الى حجم مرشّح لا لون له ولا طعم ولا تاريخ ولا حتى جغرافيا، فيتم إسقاطه بـ”الباراشوت الحزبي” لتمثيل الدائرة والطائفة. وهذا الاسقاط لا يرقى اليه الشك ابداً بأنه جريمة موصوفة ومزدوجة تُرتكب أوّلاً بحق الدائرة الانتخابية المرشّح فيها، وثانياً بحق طائفته.

 

في نظرة الى اللوائح التي ركّبت، وكيف رُكّبت، تتبدّى حقيقة أنّ “الباراشوت” كان شغالاً في ذروة طاقته، ودائرة المتن إحدى ساحات سقوطه، وفي صورة كريهة تُجافي تاريخ هذه المنطقة وتلعب بحاضرها ومستقبلها.

 

وفي موازاة هذه الصورة، فإنّ في دائرة المتن ما يستدعي لَحْظُه:

 

اولاً: مرشحون يقدّمون أنفسهم استمراراً لعلاقة تاريخية مع أبناء هذه المنطقة، ومتجذرة لسنوات طويلة، وبرنامجهم الانتخابي يبدأ من عنوان الوفاء للمتن، وينتهي عند العنوان ذاته. وعلى هذه العلاقة التاريخية يَتّكىء ميشال الياس المر؛ حفيد “عميد الاوفياء” لهذه المنطقة “ابو الياس”، ملتزماً هذا العنوان، ومعه زملاؤه في لائحة “معاً أقوى”، بلا أي مطوّلات، أو مبالغات، أو استعراضات، أو بناء شعارات على اسس فارغة، او اطلاق وعود وهميّة كتلك التي تطلقها منصّات الدجل والخداع السياسي. بل انه قالها بكل بساطة وثقة: “على خط الوفاء للأوفياء ماضون”.

 

ثانياً: إن الاولوية في دائرة المتن، لا بل انّ اولى الاولويات ان تحظى بما يتوق اليه أهلها، بأرقى تمثيل لها في مجلس النواب مُعبّر عنها وحافظ لتاريخها وأمين على مستقبلها، يُفاخر فيه المتنيون. ولا شكّ ان من بين مرشحي هذه الدائرة من هم أهل لذلك. ولكن ما لا يمكن لعاقل أن يتفهّمه او يتجاوزه، هي محاولة بعض العقليات الحزبية دَفع الرياح المتنية في الاتجاه الذي يكسر ارادة المتنيين ويصبغ المتن بلون حزبيّ ضيّق، يَسطو على حقّ المتنيين بتمثيل صحيح تستحقه منطقتهم لإبقائها في الضوء، ويظلّلها بعتمة تمثيلية تبقيها في السواد، لا بل تزيده.

 

ثالثاً: انّ منطقة المتن لطالما كانت واحدة من قمم الوطن، وولّادة للقامات الكبار، وحاضنة لكبريات الطوائف في لبنان. ما يعني من حيث المبدأ، وبالحد الادنى ان يكون تمثيلها بحجمها، وكذلك أن يكون تمثيل هذه الطوائف بما يحفظ هيبتها ويصونها، بشخصيات وازنة فيها لها ثقلها، وامينة لها، سواء الطائفة المارونية او الروم الارثوذكس او الروم الكاثوليك او الارمن. ولكن بعض وقائع التحضيرات الانتخابية في هذه الدائرة عكست خلاف ذلك تماما، بما أكد على نحو لا يرقى اليه الشك بأنّ دائرة المتن بناسها وبطوائفها الرئيسية، ومن خلال المنحى الذي اتّبعته بعض التحضيرات، تعرضت لإساءة كبرى، لا بل تعرضت للاعتداء عليها.

 

ويتبدّى هذا الاعتداء في سلوك بعض القوى الحزبية “المجرّبة” يوم كانت في السلطة آكلة لجبنتها ومتنعّمة بخيراتها ومحاصصاتها ومنافعها وصفقاتها، وحينما قرّرت مع هبوب بعض الرياح السياسية ان تلعن هذه السلطة، وأن تنقل البارودة من كتف الى كتف، وتُبرّىء نفسها من هذه السلطة وكأنّ الناس تنسى او ذاكرتهم “مَفخوتة”. فيما هي اليوم تحاول ان تمارس سلطتها، عبر محاولة تحقيق هدفها الأول لا بل الأوحد، وهو إرواء عطشها المزمن للاستئثار بالتمثيل السياسي والنيابي والوزاري وفي كلّ المواقع. ومصادرة طوائف كبرى وتذويبها بأكملها وإلباسها ثوباً غير ثوبها يحط من قدرها، سواء عبر ترشيحات حزبيّة فاقعة او مستوردة من مناطق أخرى، او عبر ترشيحات عشوائية لأشخاص من دون وزن الريشة في طائفتهم وخارجها، وبعض هؤلاء استولدوا من العدم، وبعضهم الآخر أُنزِل عن “التتخيتة” بـ”الباراشوت الحزبي” و”دُحش دحشاً” في بعض اللوائح إكراماً لدولاراته، من دون اي اعتبار او خجل من رصيده الغني بالارتكابات والموبقات الاخلاقية والمخالفات القانونية وبدعاوى التعدي على املاك الدولة. ناهيك عن بعض فاضح، بلعت الارادة الحزبية اسطوانة الفضائل التي أدارتها يوم تسلّقت على اوجاع اللبنانيين وجوعهم جرّاء الازمة، واخرجت هؤلاء من وكرهم، عفواً، اوكارهم اللاأخلاقية التي يديرونها في لبنان او في دول الانتشار، وجَمّلتهم بمساحيق تنظيف ومنحتهم ورقة حسن سلوك، ومنحتهم ايضا تذكرة الدخول الى لوائحها؟!

 

أمام هذا المنحى الاستعلائي والتذويبي والالغائي، لا بل “التشويهي” لمنطقة المتن، والمهين للطوائف الكبرى واختصارها بأشخاص يسيئون اليها، يحقّ لكل مخلص ان يرمي “كومة” تساؤلات في وجه اصحاب هذا المنحى: أهكذا تكافئون المتن التي تدّعون الحرص عليها وعلى أهلها؟ أبهذه النوعيات من المرشحين تمثّل، او بالأحرى تُختصر؟ أيّ منزلق انحدرتم اليه بالمساس المتعمّد بموقع وهيبة ومكانة طوائف مؤسسة للبنان، كطائفة الروم الارثوذكس الزاخرة تاريخياً بالرجالات والقامات العالية والمهيبة؟!

 

المتن يا سادة، أكبر من أن تهوي بها شهوات الاستئثار والتسلط. وطائفة الروم الارثوذكس، التي يتوالى الاعتداء عليها، أصلب من أن تحوّلها نزوات البعض الى كيان مهمّش وملحق في بازار البيع والشراء لهذا الحزب او ذاك. إعلموا يا سادة انّ هذه الطائفة المتجذرة في التاريخ، هي الحاضنة للحريصين عليها، والامينين لها، والساعين لرفعتها وإعلاء شأنها. وبالتأكيد لا مكان هنا للطفيليين المسلوبي الارادة، وللذين يشهد القاصي والداني أن ليسوا سوى مجرد دُمى بشريّة التقطَتهم “أحزاب الحواصل” من على قارعة الطريق الانتخابي، وحوّلتهم إلى “قجج ارتزاق” في مزاداتها العلنية واستدراجات العروض لبيع تمثيل المتن وطائفة الروم الارثوكس فيها لمَن يدفع أكثر!

 

يبقى ان الاستحقاق الانتخابي بات على بُعد أيام قليلة، وفي 15 ايار سينزل المتنيون الى صناديق الإقتراع، وسيقول الاوفياء كلمتهم، ويلفظون كل تلك الطفيليات والموبقات ويركنون أصحابها على رفّ النسيان.