Site icon IMLebanon

التطوّر الحكوميّ المتحوِّر

 

لقد بدأ العدّ العكسي الفعلي للإنتخابات النيابية القادمة. والبحث الآن في كيفيّة صياغة التحالفات الانتخابيّة. ففريق الأكثريّة الحاكمة، ولا سيّما فريق الرئيس، يتعاطى بالملفّ الحكومي اليوم من خلفيّة انتخابيّة. أمّا الفريق المعارِض المتمثّل بحزب القوات اللبنانيّة في المجلس النيابي، فيقارب الملفّ الانتخابي من الزاوية نفسها التي خاض فيها انتخابات 2018، أي بهدف العمل الدستوري البرلماني المؤسساتي الاصلاحي، لأنّ هذا الفريق قد كوّن قناعة بأنّه سيكون وحيداً في الانتخابات إن لم يقدّم أيّ تنازلات سياسيّة اليوم.

 

ويبدو أنّ “القوّات” ليس بوارد أن يقدّم أيّ تنازل في الملفّ الحكومي، وهو يقارب الملفّات جميعها مقاربة قانونيّة من خلال مشاريع القوانين التي يقترحها ويعمل على إقرارها. وهذا ما يزعج الفريق الحاكم كثيراً، ما دفعه اليوم إلى قيادة عمليّة تحوير حكوميّ بهدف فتح كوّة في جدار الأزمة التي افتعلها. فضلا عن أنّ مقاربة الحزب الاشتراكي للملفّات كلّها هي من منظار تسووي لإيمان رئيسه بأنّ لبنان محكوم بالتسويات. وهذه المسألة بالذات قد يستثمرها الفريق الحاكم اليوم ليطوّق الصوت القوّاتي في الشوف خاصّة الذي بات أكثر من مزعج بالنّسبة إلى هذه الأكثريّة. لكنّ الشارع الشوفي قد ثبّت نفسه بتحالفه الوجودي مع القوّات في كلّ من الشوف وعاليه عبر مصالحة الجبل الوجوديّة. وهذا ما لمسناه في الانتخابات الماضية. وهو حتماً سيقول كلمته بكلّ حرّيّة.

 

من هنا، سيعمل الفريق الحاكم على إرضاء جنبلاط ولو في اللحظة الأخيرة، ليكسبه حليفاً انتخابيّاً في الجبل. إلا أنّ الصوت المسيحي القوّاتي الصلب في كلّ من الشوف وعاليه استطاع أن يواجه في انتخابات 2018 منفرداً لأنّ القناعة والايمان كانا أكبر من أيّ تحالف مصلحي – إنتخابي. ويبقى أنّ خريطة بقيّة المناطق شبه معروفة سياسيّاً، ما عدا الشارع المستقلّ، أو حتّى صوت شارع 17 تشرين الذي يعمل جاهداً لبلورة رأي عام ناقم على الأحزاب السياسيّة ليكون له الرافعة التي ستدخله إلى البرلمان. وذلك بعدما أيقن هذا الفريق أنّ أهميّة الشارع لا تتفوّق على أهميّة اللعبة البرلمانيّة التي وحدها تشكّل المدخل إلى التغيير.

 

من هذا المنطلق، إن لم يتوحّد الشارعان: 17 تشرين والمعارضة السياسيّة البرلمانيّة، فلن يستطيعا إحداث أيّ خرق يحسب لهما. وبالتالي نحن مقبلون على مشهديّة برلمانيّة ثلاثيّة الأضلع قوامها فريق السلطة اليوم، والمعارضون السياسيّون البرلمانيّون إضافة إلى شارع الثورة. وعندها ستعقد الصفقات التحالفيّة البرلمانيّة لكسب الأصوات، وستأتي حتماً على القطعة إن لم يخض الشارعان المعارضان الاستحقاق الانتخابي موحَّدَين.

 

لذلك كلّه، سقطت مجرّد فكرة أيّ حكومة لن تكون حكومة انتخابات. لا إصلاحات ولا مَن يصلِحون، ولا تغيير ولا مَن يغيِّرون. ففريق الأكثريّة الذي يملك المفاتيح كلّها بات مقتنعاً بأنّه إذا لم يستلحق نفسه ويسرّع العمليّة الانتخابيّة قد تصبح خسارته أكبر ممّا يتصوّر. لذلك، يبدو أنّ وتيرة الحديث عن الاستقالات الجماعيّة لتقريب الانتخابات بات اليوم أكثر جدّيّة . لكن الراعي الاقليمي لهذه الأكثريّة، أي إيران، هو الذي يحرّك توجّهاتها وفقًا لمعركته التفاوضيّة، وليس العكس. فالاشكاليّة الأساس اليوم تكمن في أهل البيت أنفسهم في ما إذا كانوا سيستطيعون فرض أجندتهم الإنتخابيّة على راعيهم عبر “حزب الله” الذي يمسك بزمام الأمور في قلب هذا الفريق. ونعني هنا بالتّحديد فريق الوزير باسيل الذي بات مقتنعاً بأنّ أي انتخابات ستحصل في أيّ توقيت، لن تكون نتائجها مرضية له ولفريقه السياسي. لذلك، من المستحسن لهذا الفريق أن يقدِم على انقلاب سياسيّ على حلفائه ليستلحق نفسه، لا سيّما في شارعه المتهالك؛ وإلا إن بقي مرتَهَناً حيثما بدأ في 6 شباط 2006 سيخسر تموضعه السياسي الحالي.

 

من هذا المنطلق، يبدو أنّ السباق الانتخابي قد افتتح، كما أنّ موضوع الانتخابات، مبكرة أو بموعدها، بات بنظر مَن كان يعرقل حدوثها المفتاح الوحيد للعراقيل كلّها. مرّة جديدة يصيب جعجع في تمسّكه بما طرحه. ويبدو أنّ خصومه السياسيّين يحاولون اليوم أن ينسبوا هذا الاقتراح لأنفسهم مستخفّين بذاكرة النّاس؛ تلك الذاكرة التي عملوا على تدميرها طوال مسيرتهم السياسيّة. فهل سيصحّ الصحيح مرّة جديدة؟ أم سيبقى لبنان الطبق الأدسم على طاولة المفاوضات الإقليميّة؟