أنتجت الإنتخابات النيابية الأخيرة ، بالإضافة إلى النواب ذوي الألوان الفاقعة (يساراً ويميناً)، فئة من النواب الذين أعلنوا أنهم من نتاج الثورة الشعبية التي حرَّكت الرأي العام بعنوانين: استعادة السيادة ومحاربة الفساد. بعد شهرٍ من الممارسة في المجلس النيابي، لا يزال النواب الذين أنتجتهم الثورة حيارى. فالجهر بمحاربة الفساد، هو «عراضةٌ» يومية يمكن إنشادها يوميّاً للحفاظ على قسم من الثقة التي نالوها من الشعب على أساس محاربة الفساد؛ وهم يدركون أنه أحدى النشاطات اليومية للنائب، وذلك يدخل في عملهم التكتي وممارستهم اليومية داخل المجلس. في المقابل فإن استعادة السيادة هو عملٌ استراتيجي، يمر بمحطات كبرى أهمها: تكليف رئيس للحكومة على أسسٍ سيادية، تشكيل حكومة على هيئة رئيسها والأغلبية السيادية لاستعادة السيادة في السياسة الخارجية، الدفاع، الأمن، ضبط الحدود (براً، بحراً وجوَّاً)…
قد يكون الشهر الأول من الممارسة النيابية بمثابة «روداج» للنواب الجُدُد، وسط بيئةٍ يجهلون معالمها ومقاييسها وحدودها، خاصة في العمل التكتي اليومي المحارب للفساد؛ لكن استراتيجية الخيار السيادي، لا تملك ترف الوقت والمقايضة والانتظار، وإلّا اعتُبِرَ أصحابها هواة أو مُضللين للرأي العام الذي كلفهم تمثيله في الندوة النيابية؛ فعلى هذه الستراتيجية تُبنى كل المشاريع والخيارات: إمّا الإنقاذية منها، أو متابعة الغرق في أعماق جهنم.
فالانهيار المالي والإقتصادي والأخلاقي…. هو نتيجةٌ وليس سبباً. والسبب الأساسي في كل هذه الانهيارات هو غياب الدولة، وغياب الدولة سببه فقدان هذه الأخيرة سيادتها على أرضها ومؤسساتها بسبب الدويلة. لذلك كلِّه، وبدون إهمال محاربة الفساد والإنهيار المالي كنتيجة، يفرض علينا الإنقاذ أن نذهب أولاً إلى معالجة السبب أي غياب الدولة. فكل القوانين والمشاريع… مهما كانت مثالية، ويجب أن تكون كذلك، لا معنى لها إن لم يكن هناك دولة ذات سيادة تطبقها وتحميها. لذلك فالنواب الجُدُد مدعوون، قبل غيرهم، للعمل على استعادة السيادة قبل الغوص في معالجة نتائج فقدان هذه السيادة.
في الإستشارات المقبلة لتكليف رئيسٍ للحكومة، أي المحطة الأولى في استرجاع السيادة، لم يتوصلوا لتكوين كتلة سيادية موحدة؛ إذ يبدو أن لكلٍّ منهم أجندته الخاصة، ما يجعلهم حصصيين أكثر من زملائهم المضبوطين من قبل أحزابهم. لذلك فقد يسهل استقطابهم من قبل منظومة الفساد على أساسٍ مصلحي لاسياديّ، فتتبخَّر الأغلبية السيادية بانتظار السنوات الأربع المقبلة، لفتح حسابٍ مع ناخبيهم من جديد، لن تكون نتيجته لصالحهم. فإذا كانوا راغبين باحترام الوكالة التي أعطيت لهم من الناس، عليهم مواجهة منظومة الممانعة، فيُسقطون عن أكتافهم أثقال الماضي المُغلَّف بالتزوير الممنهج والأحقاد المصطنعة لينخرطوا في أغلبية سيادية، حتى لايُحمِّلهم الرأي العام مسؤولية تشتيت القوى السيادية وضياع الإنقاذ.