IMLebanon

الانتخابات النيابية لا الرئاسية تعيد تكوين السلطة

تيار المستقبل وحلفاؤه يرون أن الانتخابات الرئاسية هي المدخل الوحيد لإعادة تكوين السلطة: الرئيس الجديد يستشير المجلس النيابيّ بأكثريته السعودية لتعيين رئيس حكومة تشرف بدورها على تنظيم انتخابات نيابية جديدة عند انتهاء الولاية الممدّدة. هكذا يستمر البلد في الدوران بالحلقة الحريرية المفرغة في انتظار «الربيع الحريري».

أما قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر فتفرجت عاماً كاملاً على هذه النظرية، وبقيت الدعوات العونية لإجراء انتخابات نيابية كمدخل لإعادة تكوين السلطة مجرد اقتراح هامشي. الأولوية العونية كانت لانتخاب رئيس من الشعب أو بذل مساع إضافية لإقناع الرئيس سعد الحريري أو سمير جعجع بانتخاب عون رئيساً. إلا أن تظاهرة الجمعة الماضي وضعت الإصبع العوني أخيراً على الجرح المستقبليّ: لا حاجة إلى مؤتمر تأسيسي ولا مثالثة أو طائف ثالث أو غيره؛ المطلوب قانون عادل للانتخابات النيابية يعطي كل فريق حجمه الحقيقيّ في السلطة، بعدما حول المستقبل عبر قوانين الانتخاب السابقة المناصفة المسيحية ــــ الإسلامية إلى مناصفة سنية من جهة ومسيحية ــــ شيعية من الجهة الأخرى.

ما بدأه العونيون الجمعة لا يفترض أن ينتهي بانتهاء التظاهرة كما يحصل دائماً، أو أن ينشغل العونيون سريعاً عنه بعنوان آخر كما يفعلون دائماً أيضاً. لا يفترض بأسبوع أن يمر من دون تظاهرة تطالب بإجراء انتخابات نيابية الآن، ولا بد أن تدعى كل القوى السياسية الأخرى إلى التظاهرة المقبلة. فمن الضروري حشد التأييد لهذا الطرح الذي يلاقي تأييداً شعبياً عارماً من جهة، ولا يسع تيار المستقبل وحلفاءه مواجهته بالقول إنه مخالف للدستور أو بانقلاب مسلح أو غيرها من عناوين تعبئتهم المذهبية، وهو يمثل أرضية مشتركة واضحة بين العونيين وعدة مجموعات جدية في التظاهرات المطلبية، كما أنه الوسيلة الأكثر عقلانية لمحاصرة التعنت المستقبليّ ووضع حد له. مع العلم أن الظروف الامنية التي حالت سابقاً دون حماسة حزب الله لإجراء الانتخابات تلاشت بعيد التمديد الثاني، في ظل مسعى عونيّ ذكي لطرح قانون انتخابات نسبي يحظى بتأييد القوات وربما الحزب التقدمي، لإحراج المستقبل أكثر فأكثر. ولا شك هنا أن تخيير الحريريين على نحو جديّ، لا عبر موقف ملتبس للرئيس نبيه بري ومتردد من جهة حزب الله، بين انتخاب العماد ميشال عون أو النائب سليمان فرنجية رئيساً أو إقرار قانون عادل للانتخابات النيابية سيدفعهم إلى انتخاب الجنرال أو فرنجية رئيساً. فانتخاب الرئيس يأتي ضمن اتفاق كامل يشمل رئاسة مجلس الوزراء والحقائب الأساسية وقانون الانتخاب والمواقع الرسمية الأساسية من قيادة الجيش إلى كل المديرين العامين مروراً بحاكمية مصرف لبنان وغيرها، وسيحرص المستقبليون بالتالي على حماية نفوذهم في السلطة بل وتدعيمه مقابل انتخاب عون رئيساً. وبناء على ذلك، سيكون الجنرال أو فرنجية رئيساً، لكن ستحافظ المعادلة السياسية ــــ الإدارية ــــ الأمنية القائمة على توازنها. أما ذهاب قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي، مع مواكبة الشارع، في اتجاه إقرار قانون عادل للانتخابات النيابية، فسيؤدي إلى خسارة المستقبل نصف مقاعده النيابية، وسيكون موقف الحريريين من استحقاقي الرئاسة والحكومة أضعف بكثير مما هو عليه اليوم.

يمكن القول هنا إن التيار الوطني الحر أمسك تيار المستقبل أخيراً في اليد التي توجعه. لا يجد الحريريون مشكلة في اتهامهم بالفساد والداعشية والحؤول دون انتخاب رئيس قوي للجمهورية وخدمة مصالح الدول الأجنبية وتحويل مؤسسات الدولة ووسط المدينة والمنشآت الحيوية في البلد إلى أملاك خاصة بهم وحدهم؛ لا يبالون بهذا كله طالما يؤثر إيجاباً على نفوذهم، لكنهم يبالون جداً وكثيراً بأساس كل ما سبق. الأساس هو القوانين الانتخابية الحريرية التي سمحت لهم بفعل كل ما سبق وأكثر؛ وها هم العونيون يصوّبون أخيراً على أساس المشكلة. ولا بدّ هنا من بذل العونيين جهداً إضافياً لجعل الانتخابات النيابية أولوية بالنسبة إلى أكبر عدد من القوى السياسية وغير السياسية، في مواجهة تمسك الحريريين بوضع انتخاب الرئيس بنداً أول في الملف اللبناني على طاولة التسوية.