IMLebanon

إجراء الانتخابات النيابية لا يستلزم إنهاء ولاية المجلس

مطالعة حول قرار المجلس الدستوري الرقم (7)

إجراء الانتخابات النيابية لا يستلزم إنهاء ولاية المجلس

حطّت الانتخابات البلدية رحالها بعد آخر مراحلها في طرابلس والشمال يوم الأحد الماضي، وأجمع اللبنانيون على أنها قد جرت بنجاح تنظيمي وأمني وشعبي وفي أجواء تنافسية لم تشهد حوادث تُذكر.

وكان لا بد من استخلاص النتائج الدستورية والسياسية العامة لتلك الانتخابات، لا سيما في ما خص انعكاسها المباشر على إجراء الانتخابات النيابية التي كانت قد أُجّلت مرتين منذ العام 2013 بذريعة الظروف الأمنية الاستثنائية في البلاد، وهي ذريعة أسقطتها الانتخابات البلدية.

لذلك، وانطلاقاً من الوقائع المستجدة ومن قرار المجلس الدستوري الرقم 7 الذي شرَّع التمديد للمجلس النيابي مشروطاً بزوال الظروف الاستثنائية، واستناداً الى ما يدركه الجميع من أن نتائج الانتخابات البلدية ستدفع معظم الفريق السياسي الحاكم إلى التمسك بالتمديد للمجلس وإلى رفض إجراء الانتخابات النيابية لذرائع شتى وعلى رأسها ربط تلك الانتخابات بالتوافق المسبق على قانون انتخاب أو بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية،

فإنه كان لا بد لي في هذه المطالعة من الاستعانة ببعض المراجع الدستورية الوازنة والمحايدة التي جرى إدراج رأيها بأمانة في المقاطع المدرجة باللغة الفرنسية في المطالعة أدناه.

الوقائع:

  • بموجب القانون المعجل النافذ حكما الرقم 16 تاريخ 11/11/2014 والمنشور في العدد 48 من الجريدة الرسمية تاريخ 11/11/2014، تقرر تمديد ولاية مجلس النواب الحالي الى 20/6/2017، بعدما كان سبق تمديد ولايته الى20/11/2014 بالقانون رقم 246 تاريخ 31/5/2013 المنشور في الجريدة الرسمية بموجب الملحق الخاص رقم 24 تاريخ 1/6/2013.
  • بموجب المراجعة رقم 2014/6 تقدم عشرة نواب بطعن طالبين فيه وقف العمل بالقانون المذكور وإبطاله.
  • بتاريخ 28/11/2014 أصدر المجلس الدستوري قراره بالطعن المذكور تحت الرقم 2014/7، مستنداً إلى ما ورد في الأسباب الموجبة للقانون من «ظروف استثنائية» «وفق تصريحات وزير الداخلية»، ومستخلصا ما يلي: «لذلك تبرر الظروف الاستثنائية تأجيل الانتخابات لمدة محدودة تزول معها الظروف الاستثنائية، غير أنها لا تبرر تمديد ولاية لمجلس النواب سنتين وسبعة أشهر»…
  • كما استخلص المجلس الدستوري في قراره «انه لا يجوز التحجج بالميثاقية لتأجيل الانتخابات وتمديد ولاية المجلس… وانه لا يجوز ربط إجراء الانتخابات النيابية بالتوافق على قانون انتخاب جديد أو التوافق على إجرائها…».
  • وأنه «بما ان قانون تمديد ولاية مجلس النواب صدر قبل انتهاء الولاية بتسعة أيام فقط، وقدّم الطعن في دستوريته قبل أسبوع من انتهاء الولاية، ما أدى الى تقليص الخيارات أمام المجلس الدستوري الى حد كبير…». وانه «منعا من حدوث فراغ في مجلس النواب وقطع الطريق بالتالي على انتخاب رئيس للجمهورية، يعتبر التمديد أمراً واقعاً…».
  • وانه بعد المداولة، قرّر المجلس الدستوري «قبول المراجعة شكلاً، ورد الطعن للحيلولة دون التمادي في حدوث فراغ في المؤسسات الدستورية».
  • وأكّد المجلس الدستوري في قراره المذكور أنّه:

«بعد المداولة

ـ أنّ ربط إجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون انتخاب جديد، أو بأي اعتبار آخر، عمل مخالف للدستور.

ـ وان التدابير الاستثنائية ينبغي ان تقتصر على المدة التي توجد فيها ظروف استثنائية فقط.

ـ إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممدّدة».

  • ولمّا كانت وزارة الداخلية قد عمدت بنجاح تام خلال شهر أيار من العام 2016 إلى إجراء انتخابات بلدية في مختلف المحافظات اللبنانية شملت أيضاً مناطق حساسة أمنياً كبلدة عرسال ومدينة طرابلس والضاحية الجنوبية وغيرها،
  • ولمّا كانت الانتخابات البلدية عامة تثير حساسيات واحتكاكات عائلية في مختلف القرى والمدن، أكثر بكثير من الانتخابات النيابية، وأنها رغم ذلك قد حصلت من دون أي خلل أمني يذكر، وشهدت مشاركة المواطنين من كل الطوائف والانتماءات والتيارات في مناخ أمني وتعايشي ممتاز،
  • ولمّا كان وزير الداخلية الذي تبنى منطق «الظروف الاستثنائية» لتبرير تأجيل الانتخابات النيابية، هو نفسه أيضاً الذي استند الى زوال تلك الظروف الاستثنائية لإجراء الانتخابات البلدية، بما يعتبر سقوطاً للظروف الاستثنائية التي أدت إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي،
  • وبما ان قرار المجلس الدستوري أعلاه قد استند أساساً الى موقف الوزير، كما جاء واضحاً بتأكيد إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة،

* وبما انه وفق أحكام المادة 13 من القانون رقم 250 تاريخ 14 تموز سنة 1993 وتعديلاته، المتعلق بإنشاء المجلس الدستوري، ووفق أحكام المادة 52 من القانون رقم 243 تاريخ 7 آب 2000 وتعديلاته المتعلق بالنظام الداخلي للمجلس الدستوري:

«تتمتع قرارات المجلس الدستوري بقوة القضية المُحْكَمة وهي مُلزِمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية»،

  • وبما أنه تجدر الإشارة إلى ان كلا من المادتين 13 و52 المذكورتين أعلاه منقول من المادة 62 من الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة الصادر في 4 تشرين الأول 1958 وتعديلاته التي نصت في فقرتها الأخيرة على ما يلي:

Les décisions du Conseil Constitutionnel… s’imposent aux pouvoirs publics et à toutes les autorités administratives et juridictionnelles?

  • وبما أنه قد ورد في المجلس الدستوري القرار رقم 7/2014 المذكور ما حرفيته:

«واستناداً إلى الأسباب الواردة في الحيثيات يقرر المجلس بالإجماع

1ـ قبول المراجعة شكلاً.

2 ـ رد الطعن للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية».

  • وان القرار المذكور أكد أنه من بين الأسباب التي لا بد من تكرارها الواردة في حيثيات القرار (7):

«وبما أن قانون التمديد المخالف للدستور في الوضع الراهن، قد يؤدي إلى فراغ في السلطة الاشتراعية…

وبعد المداولة

يؤكد المجلس الدستوري بالإجماع على الأمور التالية:

1ـ إن دورية الانتخابات هي مبدأ دستوري لا يجوز المس به مطلقاً.

2ـ ان ربط إجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون انتخاب جديد، أو بأي اعتبار آخر، عمل مخالف للدستور.

3ـ ان التدابير الاستثنائية ينبغي أن تقتصر على المدة التي توجد فيها ظروف استثنائية فقط.

4ـ إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة».

  • وبما أنه استقر العلم والاجتهاد على القول بأن قوة القضية المحكمة المتعلقة بأحكام المادتين 13 و54 المشار إليهما تتعلق ليس فقط بالفقرة الحكمية، ولكن أيضاً بالحيثيات التي تؤلف السند الضروري والأساس عينه،
  • يراجع:

Les Grandes decisions des Conseil Constitutionnel – 17eme- Edit 2013

Déc No 62-18L- 16 janv 1962

Loi d’orientation agricole – No 12

P 135

“1- considérant d’une part qu’aux termes de l’article 62, in fine de la Constitution: “les décisions du Conseil Constitutionnel… s’imposent aux pouvoirs publics et à toutes les autorités administratives et juridictionnelles”, que l’autorité des décisions visées par cette disposition s’attache non seulement à leur disposition mais aussi aux motifs qui en sont le soutien nécessaire et en constituent le fondement même

  • وبما أن الفقرات 2 و3 و4 الواردة في متن القرار رقم 7 المذكور، ولئن لم تذكر في الفقرة الحكمية، إلا انها أيضاً تتمتع بقوة القضية المحكمة، لأنها تؤلف السند الضروري والأساس عينه بالرغم من أنها لم تدرج في الفقرة الحكمية

Les grandes décisions. Loc. Cet

P 137

… Cette constatation s’impose aux pouvoirs publics et à toutes les autorités bien qu’elle n’ait pas été insérée dans “le dispositif et celle parce que “les motifs qui sont le soutien nécessaire du dispositif est ont aussi autorité de la chose jugée

  • وبما ان قرار المجلس الدستوري أعلاه جاء واضحا أيضاً بتأكيد ان تأجيل تلك الانتخابات بناء على عدم الاتفاق على قانون انتخاب جديد أو لأي سبب آخر، يعتبر عملاً مخالفا للدستور،
  • وبما ان المجلس النيابي الحالي الممددة ولايته، كان قد حصل على وكالة الشعب اللبناني في انتخابات شهر حزيران 2009، وان ولايته كان من المفترض دستورياً ان تكون انتهت في شهر حزيران 2013، وبالتالي ان تلك الوكالة لم تكن تتضمن انتخاب رئيس جديد للجمهورية حيث ان ولاية الرئيس الموجود حينذاك كانت ستنتهي حكماً خلال شهر تشرين الثاني 2013، أي في ظل مجلس نيابي جديد غير المُمَدَّد له حالياً،
  • وبما انه لا يجوز للموكَّل إليه ان يضيف الى توكيله الأساسي أية صلاحية دستورية لم يمنحه إياها الموكِّل، لا بل ان الموكَّل إليه قد مدّد لنفسه، معطياً لنفسه أيضاً صلاحية انتخاب رئيس جديد خلال فترة التمديد، فيكون المجلس النيابي الممدد له غير ذي صفة دستورية لانتخاب رئيس،
  • ولمّا كان النص الصريح للدستور في المادة 74 منه يشير بوضوح الى أنه «إذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً، تدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية»،

والمادة (75)، «وان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر».

  • وإذا افترضنا جدلا، وفي أسوأ الأحوال، بأن مجلس النواب الممدّد له يتمتع بصلاحية انتخاب رئيس، فإن خلو سدة الرئاسة يجعله مقيداً بالمادة (75) من الدستور، أي انه بوضع الهيئة الانتخابية وليس هيئة تشريعية، وبالتالي فيكون أيضاً مجلس النواب الممدد غير ذي صفة دستورية للتشريع وتسقط الغاية الدستورية المنشودة من التمديد له أصلاً،
  • وبما انه في ظل كل ما تقدم، فإن المجلس الممدّد له قد عجز حتى الآن عن انتخاب رئيس جديد برغم مرور حوالي السنتين من مدة الولاية الممددة، كما أنه عجز عن الاجتماع والتشريع إلا في حالات نادرة،

وبالتالي، فإن التمديد قد كرّس ليس فقط حالة الفراغ الرئاسي بل أضاف اليها حالة الفراغ التشريعي وغياب المراقبة عن أعمال الحكومة، على عكس ما جاء في نصّ وروحية قرار المجلس الدستوري المنوه عنه أعلاه،

فإنه يتوجب على السلطات الممثلة في مجلس الوزراء والنواب تنفيذ قرار المجلس الدستوري فوراً عملاً بقوة القضية المُحكمة وإلاّ يعُتبر التقاعس أو أي عمل أو إجراء معاكس لقرار المجلس الدستوري مخالفاً للدستور والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.

ولا يرد على ذلك ان إجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء مدة الولاية الممددة تحتاج إلى صدور قانون جديد من مجلس النواب يجيز إجراءها، اذ جاء في دراسة قيمة للدكتور بهيج طبارة في «السفير»، 11 أيار 2016 الصفحة 3 ـ ما حرفيته:

إن قانون التمديد قد صدر بمادة وحيدة جاء فيها:

«تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي بتاريخ 20 حزيران 2017».

«إن قانون التمديد لم يتعرض لموضوع الانتخابات النيابية ولم يقرر تأجيلها، بل اقتصر على تمديد ولاية مجلس النواب بحجة الظروف الاستثنائية».

وبالفعل لقد استقر اجتهاد محكمة التمييز ومجلس الشورى، كما استقر رأي جميع العلماء على القول، إنه عند تفسير نص تشريعي أو تنظيمي، إن حرفية النص يجب ان تتغلب على روحه

Odent – Contentieux Administratif 1988 – 1981

P 445 – La lettre du texte lorsqu’elle ne permet pas la controverse, doit prévaloir sur son esprit.

CF (Ass) 23 Juillet 1948 Sté des matières colorantes et produits chimiques et industriels de St Denis et autres R. p 351

CF (Ass) 12 Déc. 1952 Maire R. P 375

CF (S) 5 Fev 1965 Charlot R. P 72

CE (Ass) 20 Mai 1971 Barrat R. P 387

Cass. Civile 15 Mars 1935 Cie d’assurances le Continent

G.P 1955 – I – 304

Bull 1955 – I – 102

فضلاً عن ذلك، إن المحاكم العليا تفسر، بصورة منهجية ضيقة، الأحكامَ التشريعيةَ التي تخرج أو التي يبدو أنها تخرج عن المبادئ القانونية أو عن القواعد العامة المعمول بها سابقاً

Odent – loc.cet

P 435 – le Conseil d’Etat interprète systématiquement de façon restrictive les dispositions qui dérogent ou qui parassent déroger à des principes de notre droit ou à des règles générales antérieurement admises par la legislation

CE (Ass) 25 Juin 1969 Syndicat autonome du personnel enseignant des Facultés de droit et des sciences économiques RDP 1060 – P 965 Concl. Braibant GCP 1969 – II- 16012.

  • وبما أن المجلس الممدّد له أصبح في هذه الحالة، عاجزاً عن التشريع بموجب المادة (75) أو عاجزاً عن التشريع بسبب التناقضات السياسية المانعة لاجتماعه،
  • وبما ان المجلس الممدّد له هو أيضاً في حالة عجز سابقة وحالية ولاحقة عن إقرار قانون انتخاب، وفي حالة عجز عن انتخاب رئيس جديد، علما أن المجلس الدستوري اعتبر التذرع بعدم الاتفاق على قانون انتخاب لتأجيل الانتخابات هو عمل غير دستوري،
  • وبما انه بالمحصلة، فإن الحفاظ على استمرارية المرفق العام أو الحؤول دون الفراغ، لم يعد له معنى إلا بالشكل، في حين ان الأمر الواقع أعلاه، بما فيه التمديد للمجلس النيابي، كان غير ذي فائدة حيال الاستمرارية وسد الفراغ، لا بل دخلت البلاد في حال الشلل العام،
  • وبما أنه كما سبق وتقدم، فإن الظروف الأمنية الاستثنائية التي برّرت التمديد لمجلس النواب الحالي قد سقطت بناءً على واقع إجراء الانتخابات البلدية بنجاح أمني وتقني وسياسي،
  • وبما ان البلاد بحاجة لدينامية دستورية واضحة تفتح فرصة لها للخروج من هذا النفق، وان لا شيء غير إجراء الانتخابات النيابية من شأنه ان يفتح الباب او الفرصة لمناخ جديد يؤدي للخروج من حالة الشلل والفراغ الراهنة،
  • فإنه بناء على كل ما تقدم،
  • نرى أنه بموجب قرار المجلس الدستوري أعلاه، فإنه لا ضرورة إطلاقاً لإصدار قانون لتقصير ولاية المجلس النيابي الممدّد له، ما دام هذا المجلس تسقط ولايته حكماً بمجرد انتخاب مجلس نيابي جديد بناء على دعوة الهيئات الناخبة من قبل الحكومة ووزير الداخلية اللذين كان المجلس الدستوري قد استند إليهما في قراره بتبني الظروف الاستثنائية للتمديد، والتي انتفت مؤخراً،

ولذلك يقتضي عملاً بالقرار المذكور، واحتراما لمبدأ قوة القضية المحكمة وإلزامية تطبيق هذا المبدأ دستورياً، ان يصار فوراً إلى إجراء انتخابات نيابية بالقانون الحالي او بقانون لا يتجاوز إصداره مهلة شهر واحد، وان تمارس الحكومة ووزارة الداخلية صلاحياتهما في دعوة الهيئات الناخبة دون ابطاء ودونما حاجة إلى اصدار او انتظار اية قرارات او قوانين أخرى عن أي جهة كانت.