بدأ العد العكسي لصياغة التحالفات الانتخابية التي يفرضها قانون الانتخاب الجديد. الصراع الإقليمي، السعودي ـــ الإيراني، سيحدد شكل هذه التحالفات في لبنان كما في العراق
لفتت أحدَ السياسيين المصادفةُ بين الانتخابات النيابية في لبنان في 6 أيار من السنة الجارية والانتخابات النيابية في العراق في 15 من الشهر نفسه. المصادفة لا تتعلق بحصول الاستحقاقين في الشهر ذاته، علماً بأن العراق لا يزال يشهد سجالاً داخلياً حول إجرائها في موعدها. إلا أن الإطار السياسي العام الذي يحيط بالاستحقاقين، وارتباطهما بالتدخلات الإقليمية، يفتح الباب أمام قراءة الحدثين معاً من زاوية تأثير هذه التدخلات على التحالفات السياسية في البلدين.
لا شك أن ما حصل بعد أزمة رئيس الحكومة سعد الحريري مع السعودية لم ينته بطيّ الاستقالة، ولا بتقديم السفير السعودي وليد اليعقوب أوراق اعتماده الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. القضية العالقة بين السعودية وخصومها في لبنان لا تزال نفسها، وحلها متعلق بالانتخابات النيابة المقبلة، ومصير التحالفات التي يبنيها الحريري نفسه، انطلاقاً من ضرورة مراعاة مصالح السعودية في لبنان، أو الذهاب عكس التيار السعودي.
فالرياض التي تعيش هذه الأيام استحقاق مراجعة سياستها في المنطقة، من اليمن الى سوريا ولبنان والعراق، تضع أمامها، من جملة عدة الشغل، الاستحقاق الانتخابي في لبنان كما في العراق، لإعادة تحقيق التوازن مع إيران. والاستحقاقان مهمان، لجهة إعادة تركيب السلطة في البلدين، بمشاركة القوى الحليفة للسعودية أو تلك التي تربطها بها علاقات تطورت تدريجاً في الآونة الأخيرة، في مقابل الحضور الإيراني الطاغي في البلدين، إضافة الى سوريا.
هذا الاهتمام السعودي بالعراق يحضر بقوة، في هذه الأيام، في كل الدوائر السياسية والإعلامية الغربية نتيجة متابعة تطورات المشهد العراقي، لرصد تأثيرات ترتيب العلاقة بين الرياض والعبادي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من جهة، والحفاظ على دور المكون السني والأكراد في أي سلطة مقبلة.
الجانب الأساسي الذي لا يزال يشغل بال معظم القوى السياسية يبقى التمويل المالي
ومن جهة ثانية الكلام عن محاولة الحشد الشعبي الالتفاف على قرار منعه من المشاركة في الانتخابات، بما يماثل تجربة دخول حزب الله الى السلطة السياسية في لبنان، من خلال ائتلافات انتخابية يحق لها وفق القانون المشاركة في هذا الاستحقاق. وفي كل ذلك، يمكن فهم الدور السعودي الاستباقي في مواجهة الاحتمالات التي تضعها طهران في المقدمة للحفاظ، من خلال الانتخابات أيضاً، على موقعها في العراق ولا سيما بعد نجاحها مع حلفائها العراقيين وحزب الله في كسر تنظيم «داعش»، وبقاء العراق ساحة مفتوحة لها مع سوريا ولبنان.
كذلك الأمر في لبنان، حيث يمكن للاستحقاق الانتخابي أن يكون ساحة المواجهة الإيرانية ــــ السعودية، علماً بأن لطهران اليوم أسبقية على الرياض، تتعلق أولاً بتركيبة حزب الله داخل السلطة منذ سنوات طويلة، وثانياً بأن المكوّنين الشيعيين متحالفان معاً، وأضاف تفاهم حزب الله مع رئيس الجمهورية لبنة أساسية الى التحالف الانتخابي الذي يعوّل عليه الحزب في معركة تحقيق الأكثرية في المجلس الجديد. لكن أزمة الحريري مع السعودية، وانحيازه الى عون، بقدر ما شكلت عنصراً مساعداً في تغليب فوز الحزب وحلفائه بانتخابات عام 2018، إلا أنها قد تتحول إلى عنصر استفزازي للسعودية لإعادة تكوين جبهة معارضة لحزب الله، لا يبدو حتى الآن أن معالمها واضحة.
لكن الوقت لم يعد مفتوحاً لجميع الذين يعملون على خط بناء تحالفات ترسم خريطة المستقبل، يما يتعدى تذليل العقبات السياسية الطارئة كمثل ما يحصل اليوم بين حليفي حزب الله، حول مرسوم الأقدمية. فقانون الانتخاب الجديد فرض في مادته الـ 52 على المرشحين أن ينتظموا في لوائح قبل أربعين يوماً كحد أقصى من موعد الانتخابات. (في العراق تنتهي مهلة تسجيل التحالفات في 7 كانون الثاني الجاري بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات). وهذا يعني أن أمام القوى السياسية مهلة أقصاها ثمانون يوماً للإعلان عن التحالفات وتشكيل اللوائح، بما يحتم عليها مع كل المتوجبات الأخرى المتعلقة بالإعلان الانتخابي، تسريع عملية التحضير لخوض المعركة. وفيما كانت شخصيات سياسية معنية تتحدث عن أن معالم التحالفات الأولية قد تبدأ بالظهور مع بداية شباط، جاء الشرخ السياسي بين المستقبل وحلفائه في قوى 14 آذار، وفي مقدمهم القوات اللبنانية، وبين القوات والتيار الوطني الحر، على خلفية الأزمة مع الرياض، وأزمات الثقة بين العهد والتيار الوطني والرئيس نبيه بري، ليغيّر المواعيد ومعها التحالفات. وقد ظهرت الحاجة الى جهد مضاعف لصياغتها على قواعد جديدة قبل الانصراف الى وضعها أمام الناخبين الذين يقترعون وفق قانون نسبي جديد عليهم، علماً بأن الوقت داهم لتذليل الخلافات السياسية المستجدة قبل الشروع في وضع أسماء المرشحين على الطاولة.
ورغم أن الماكينات الانتخابية بدأت عملها منذ أشهر قليلة، في لبنان ودول الانتشار، كما مراكز الاستطلاع والإحصاءات، وتسير عمليات غربلة أسماء المرشحين داخل الأحزاب والتيارات، إلا أن الجانب الأساسي الذي لا يزال يشغل بال معظم القوى السياسية يبقى التمويل المالي. وعلى هذا الجانب الحساس يتعلق جزء أساسي من العملية الانتخابية، كما دور العوامل الإقليمية في تأمينه لتحديد مسار التحالفات والمعركة برمتها.