منح الدستور اللبناني عضو مجلس النواب الحصانة النيابية المشروطة التي تحمي أقواله وآراءه من المسؤولية أثناء ممارسته الوظيفة النيابية، خاصة في ما يتعلق بمراقبة أعمال الحكومة وأجهزتها، وبهذه الحصانة يكون النائب بمنأى عن التردّد أو الخوف من المسؤولية.
والحصانة لا تُعد خرقاً لمبدأ مساواة الجميع أمام القانون، لأن الغطاء التي تعطيه للنائب يمكن ان يُرفع عنه إذا ارتكب او اتُّهِمَ بارتكاب جرم جزائي اثناء حمله الصفة النيابية بالطريقة التي حددها الدستور.
وقد أعطت المادة 39 من الدستور حصانة شاملةً للنائب طوال ولايته التمثيلية، مسمّاة «لا مسؤولية النيابية»، تمنع ملاحقته جزائياً بسبب أعماله النيابية والتشريعية والرقابية، وتصريحاته وأقواله والتعبير عن أفكاره وآرائه المرتبطة بمهامه النيابية وما يتعلّق بها، أكانت مكتوبة أم شفهية وسواء كانت داخل مجلس النواب أم خارجه.
فالمادة 39 نصّت على أنّه «لا تجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته». وإذ لا يجوز تجزئة حرية التعبير المخوّلة للنائب، تحول حصانته دون ملاحقته جزائياً في إطار ولايته النيابية، كما تحول دون إقامة أي دعوى مدنية ضدّه ناشئة عن عمل من اعمال النيابة حتى إذا ارتكب النائب قدحاً او ذماً او تشهيراً بحق الأشخاص الذين يتولون السلطة العامة، او في حال اصابت آرائه وتصريحاته بعض هؤلاء.
بهذا تكون حصانة النائب غير مطلقة بل تنحصر بالآراء والمواقف والافعال التي تصدر عنه وتكون متصلة حصراً بعمله النيابي ومتعلقة بالمواضيع الوطنية العامة المكلّف بمعالجتها بحكم نيابته، فتخرج عن هذه الحصانة جميع الأفعال غير المرتبطة بعمله النيابي كالأفعال التي يقدم عليها النائب كشخص عادي في ممارسة حياته الخاصة.
وفي هذا السياق، إذا تعرض النائب لكرامة أحد الناس وسمعته وشرفه بالتجريح أو السبّ أو الإهانة أو الاتهام غير المشروع، خارج نطاق العمل النيابي، جاز للمتضرر التقدّم بدعوى مدنية ضده ومطالبته بالتعويض عن العطل والضرر المعنوي اللاحق به وبشرفه وبسمعته وبكرامته سنداً الى المواد 122 و123 و124 من قانون الموجبات والعقود.
كما كرّس الدستور «الحرمة الشخصية» للنائب، وهي حصانة نسبية وقاصرة، تهدف الى منع ملاحقة النائب جزائياً أثناء دور انعقاد مجلس النواب إذا اقترف جرماً جزائياً، من دون أن تعطي الأفعال التي ارتكبها الطابع الشرعي. وقد نصّت المادة 40 من الدستور على أنه «لا يجوز في أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية في حق أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة، أي الجرم المشهود».
كما نصّت المادة 90 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه «لا تجوز خلال دورات انعقاد المجلس، ملاحقة النائب جزائياً أو اتخاذ إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة، أي الجرم المشهود». ما يعني تقييد حرية النيابة العامة التمييزية بملاحقة النائب عن الجرائم الجزائية التي يقترفها، بحيث لا يمكن تحريك الدعوى العامة ضد النائب في هذه الجرائم إلا بعد الحصول على إذن مجلس النواب بموجب طلب برفع الحصانة موجّه الى رئيس المجلس عملاً بأحكام المادة 92 من النظام الداخلي للمجلس، باستثناء حالة الجرم المشهود.
وبالتالي لا تُلغي الحصانة الجريمة ولا تمنع من العقاب أصلاً بل تحول دون اتخاذ إجراءات بحق النائب لفترة من الزمن يكون فيها مجلس النواب في دور الانعقاد. اذ تؤخر الحصانة قيام النيابة العامة بإجراءات ملاحقة النائب – في غير حالة التلبُّس بالجريمة – وتُبقي الجريمة ويعاقب النائب إذا ما ثبت قيامه بارتكاب الجريمة.
وفي لبنان سوابق كثيرة في طلب رفع الحصانة النيابية، منها ما هو ذات دوافع سياسية واخرى لأسباب قضائية، ولكن لم يتم رفع الحصانة الّا ثلاث مرّات اولّها كانت مع النائب رفعت قزعون عام 1952 بتهمة قتل صحافي، والثانية مع النائب يحيي شمص عام 1994 بتهمة تهريب مخدرات، وآخرها مع النائب حبيب حكيم عام 1999 بتهمة الضلوع في ملف محرقة برج حمود وإهدار المال العام.
في خضّم هرج ومرج «الحَصَانة»، حبّذا لو يحصّن الشعب نفسه بوجه خياراته النيابية الخاطئة!