IMLebanon

لماذا الصراع على الأكثرية النيابية؟!

 

 

 

هو سؤال من المفترض أن تجيب عليه القوى السياسية الممسكة بالسلطة ومؤسساتها أو تلك المندفعة حديثاً الى الوصول الى مفاتيح القرار في هذه السلطة. وإلا ما الجدوى من الصراع للحصول على أكثرية نيابية، في حال كانت قوى السلطة ستعيد إجترار تجربتها الفاشلة في إدارة شؤون البلاد والعباد، وهل ستنجح القوى التي تدّعي أنها تغييرية من داخل السلطة وخارجها في صوغ مشروع إدارة رشيدة للدولة، أم أن سقف تطلعاتها السياسية الحلول في معظم مقاعد المجلس النيابي العتيد بلا أي مشروع؟!

 

«قوى التغيير»

 

 

 

يبدو للمتابع أن ما يُسمى إختصاراً «قوى التغيير» لم تُقَدِّم حتى الآن رؤية إنقاذية موحدة متكاملة يمكن الوثوق بها، بل إن معظم خطابها الإنتخابي يتركز على الإشارة الى سلبيات إدارة قوى السلطة لشؤون الدولة والناس، وهو أمر لم يعد خافياً على اللبنانيين بفعل إثارته من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وليس نتيجة لمجهود مميز قامت به هذه القوى التي تشارك بعضها السلطة ومغانمها مع القوى التقليدية مرات عدة.

 

الأمر الوحيد الذي تُجمِعُ عليه هذه القوى هو تكرار معزوفة الأسطوانة المشروخة حول «سلاح المقاومة» وضرورة نزعه، ولما لهذا السلاح من تأثير على مفاصل القرار في الدولة وخياراتها الداخلية والخارجية بالأخص، طبعاً وفق منطقهم!

 

غير أن الأسوأ هو ما تدّعيه ما يُسمى «قوى التغيير» أنها تعبر عن أهداف إنتفاضة «17 تشرين» في طروحاتها هذه، أو أنها تمثل الجسم التنظيمي الذي أفرزته هذه الإنتفاضة! مع العلم أن اللبنانيين جميعاً يعلمون أن جذوة الإنتفاضة المطلبية المُحِقة الصافية وطنياً وأخلاقياً قد إنطفأت بعد المرحلة الأولى من إنطلاقتها العفوية، وذلك لسببين:

 

الأول، سعي قوى مرتبطة بمشاريع داخلية-خارجية وجدت في انتفاضة «17 تشرين» مطية جماهيرية مناسبة لركوبها وتسييرها بما يخدم المشاريع السياسية التحريضية، التي يمكن أن تزيد الشرخ الداخلي حول مسألة سلاح المقاومة ودوره الوطني وجدواه إستراتيجياً.

 

والثاني، عدم تلقف «حزب الله» المبادرة الجماهيرية النقية وطنياً وأخلاقياً في بداياتها، وبالتالي الإنفتاح عليها ومحاورتها وقطع الطريق على الإنتهازيين والمرتهنين من الإستثمار فيها. بل على العكس من ذلك، فقد إندفع «حزب الله» بإتجاه التصدي لها على الأرض «ثنائياً»، وحماية منظومة السلطة الفاسدة والفاشلة.

 

بالتأكيد لا أبحث للحزب عن مبررات، ولكن يبدو أن ساعة حصول هذه الإنتفاضة لم يكن متناسباً مع التوقيت الإقليمي الذي يضبط وفقه الحزب ساعته المحلية.

 

لذلك، وقبل وصول ما يُسمى «قوى التغيير» الى مواقع في السلطة، نيابية كانت أم وزارية، تبدو الصورة جلية وواضحة: الهدف الأهم بالنسبة إليها التركيز على التنازع السياسي مع الحزب تحت عنوان السلاح، والتلطي خلف هذا التنازع لتبرير عدم قدرتها على إحداث التغيير المنشود، طالما أن هذا السلاح موجود، سواء تمكّنت من الحصول على الأكثرية النيابية أم لم تتمكّن!

 

«قوى السلطة»

 

تقف ما يُسمّى «قوى السلطة» على مفترق خطر، فهي من ناحية تسعى سرّاً وعلناً الى الحصول على أكثرية نيابية ساحقة تعيد من خلالها تثبيت حضورها بزعامة «حزب الله» المُطلقة والمنفردة. ومن ناحية أخرى تتخبّط في البحث عن مخارج تبريرية لأسباب تمسّكها بالحصول على تلك الأكثرية، بعدما فشلت في الحفاظ على الدولة ومقدراتها وعلى حقوق الناس.

 

من حق «حزب الله»، ولكن من غير المنطقي، أن يسعى الى إعادة إنتاج أكثرية بالوجوه والأدوات نفسها. ذلك أن مقاربة الحزب للوقائع والإستحقاقات السياسية كانت وما زالت تقوم على القراءة من الخارج الى الداخل. وبالتالي طالما أن الصورة الإقليمية-الدولية لم تتضح خصوصاً في ما يعني التسويات المنتظرة إيرانياً-أميركياً وإيرانياً-خليجياً، فإن الحفاظ على الواقع الداخلي على ما هو عليه مع هذه الزمرة من الوجوه والأدوات، يبدو للحزب أسلم من البحث في التغيير الإيجابي الذي يأمله جمهوره قبل بقية اللبنانيين.

 

هذا مع علم قيادة الحزب أن حصوله على أكثرية مُجربة فاسدة وفاشلة، سيُبقي المشهد السياسي مضطرباً، والأهم فإنه سيراكم مزيداً من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية، كما سيزيد من هجرة اللبنانيين وبالأخص منهم أجيالهم الشابة المُنتِجة بحثاً عن مستقبل غير مُقلِق وأملاً بالتمكّن من إعانة الأهل الذين يعانون الذُل يومياً لتأمين لقمة العيش ومتطلبات الحياة الأساسية من طبابة وتعليم لعائلاتهم.

 

تدّعي قيادة ماكينة «حزب الله» الانتخابية أنها رصدت حتى الآن ضمانها لتحقيق أغلبية بحوالى 68 نائباً مكونة من ما يسميه تجاوزاً حلفاء وأصدقاء، ولكن حتى لو إرتفع هذا العدد الى أكثر من سبعين أو ثمانين نائباً في قبضة الحزب، ماذا سيفعل بهم، وخصوصاً «الحليفين» الرئيس نبيه بري والنائب جبران باسيل، اللذين يجهد الحزب شعبياً لإعادة تعويمهما إنتخابياً.

 

هل سيُغَير الرئيس نبيه بري أداءه ويعمل على تفعيل عمل مجلس النواب ولجانه، بحيث ينتج للشعب اللبناني قوانين تحمي ودائعه المسروقة أو تدفع بإتجاه إستعادتها مثلاً؟ وهل سيسعى بري الى وضع أجندة قوانين إصلاحية جذرية تطبيقاً لما ورد في إتفاق الطائف ومنها قانون إستقلالية القضاء؟ وهل سيرفع يده عن بعض المؤسسات الفاسدة والفاشلة كبنك التمويل وغيره؟ الكثير الكثير من الأسئلة تتزاحم حول تجربة قائمة على الفساد والزبائنية السياسية، بحيث لن يقدر «حزب الله» على الإجابة عن إمكانية لعب دور جاد وحاسم في تصحيح مسار هذه التجربة.

 

وهل سيتوقف نهم النائب جبران باسيل للسلطة وجوعه العتيق لوضع يده على مغانمها بمفعول رجعي، وإعتبار ذلك إنتقاماً لإخراج عمه العماد ميشال عون قسراً منها في أوائل التسعينيات؟ وهل سيقبل باسيل برفع يده عن وزارات تشكل بالنسبة له مصادر إرتزاق وشعبوية بالإضافة الى مكامن مخفية لإستنساخ تجربة الزبائنية السياسية؟ وهل سيتراجع عن دعواته للبحث في الإستثمار في الآبار النفطية والغازية البحرية الجنوبية بدلاً من ترسيم حدود ثابتة وواضحة؟ وهل سيتوقف عن الحديث عن ضرورة إنهاء النزاع مع العدو حول ما يُسمى «الخط الأزرق» من خلال تبادل مساحات من الأراضي على الحدود البرية؟

 

كان من المفترض أن يمنح «التيار الوطني الحر» من خلال تفاهمه مع «حزب الله» مدىً وطنياً يتجاوز إطار الحزب الشيعي، فإذا بالأمر يصبح «تشييعاً» لـ»التيار» عبر مده بأصوات شيعية ناخبة تعويضاً عن إنهزامه داخل البيئة المسيحية.

 

أما الباقون من الوجوه والأدوات فهم لزوم ما لا يلزم، لأن مقاعدهم المفترضة التي سينالونها لن تكون سوى منصة لرفع الأيدي عند الحاجة لذلك، كما أن أعدادهم لن تتجاوز بأهميتها تكملة نصاب لجلساتٍ تشريعية لن تُسمِن ولن تُغني من جوع!

 

بتاريخ 14/4/1972 وبمناسبة حلول موعد الإنتخابات النيابية، وجه الإمام السيد موسى الصدر نداءً الى اللبنانيين، قال فيه:

 

«… إن إفساح المجال أمام الناخب ليمارس كامل صلاحياته يُنَمّي عنده الإحساس الكامل بالمسؤوليات. وفي موضوع الأخلاق، فإن سلوك المواطنين والمرشحين وقت الإنتخاب هو النافذة التي يُقرأ من خلالها المستقبل، مستقبل النائب والمجلس والأمة كلها.»

 

فأي مستقبل ينتظرنا مع أكثرية أو أقلية لا تقومان بمعظمهما على أسس من الأخلاقيات السلوكية أو الإحساس بالمسؤوليات الوطنية؟!