لا جديد في الإنتخابات الرئاسية. وبالتوازي مع الإعتصام الذي ينفذه بعض النواب التغييريين في القاعة العامة للبرلمان إحتجاجاً على طريقة إدارة جلسات الإنتخاب، يتحوّل إمتعاض رئيس المجلس النيابي نبيه بري من الإعتصام والإيحاء بعقد جلسة للجان النيابية الى خلاف حول أحقيّة إشغال البرلمان كعقار وليس كمقر للسلطة المشترعة (التسميّة هي عنوان الفصل الثاني من الدستور). إنّ مسوّغات استخدام البرلمان في حالة الشغور الرئاسي هي عقد جلسة مفتوحة للمجلس النيابي بعدد لامتناهي من الدورات بغيّة الوصول الى انتخاب رئيس للبلاد «دون مناقشة أو أي عمل آخر» (المادة 75 من الدستور). أما والحال على ما هي عليه فإنّ التضييق على النواب المعتصمين في القاعة العامة كقطع التيار الكهربائي لجعل ظروف الإقامة أكثر صعوبة، يذكرنا ببدايات التهجير خلال الحرب اللبنانية عندما لجأ بعض أصحاب الأملاك الفخمة أو مستأجريها لوضع بعض القيود على استخدام الكماليات في منازلهم بغيّة منع المهجرين القادمين من الأطراف أو الأرياف من المكوث طويلاً بداخلها.
إنتهى لقاء وفد حزب الله مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالأمس وفقاً لما كان متوقّعاً دون تسجيل أي خرق في جدار الإختلاف بين الحليفين. تصريح المعاون السياسي الحاج حسين خليل بعد اللقاء «تناصحنا وتناقشنا وعرضنا موضوع التفاهم بين الحزب والتيار من خلال النقاط الإيجابية والسلبية التي مررنا بها» يؤكّد على استمرار التحالف الذي لا بدّ منه كما يؤكد على عدم القدرة على تجاوز الإختلاف الذي لن يتحوّل الى حالة من الإفتراق لتلازم المصالح، بما يؤكد صعوبة التمييز بين حاجة الحزب للتحالف مع التيار وتمسّكه بالسلاح فهما نقطتا قوته وكلاهما موجهان نحو خصوم الحزب في الداخل اللبناني وفي العمق العربي. وبهذا المعنى تعود المعادلة الى مربّع المفاضلة بين سليمان فرنجية وجبران باسيل واستحالة إيصال أيّ منهما بالوسائل الديمقراطية، ويصبح المرشحون الذين تمّ استعراضهم في اللقاء بين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ووفد حزب الله قبل أيام خارج الصلاحية، بالرغم من أنّ وصول أيًّ منهم بمعزل عن توفر ضمانات إقليمية ودولية لإجراء الإصلاحات المعروفة لن يؤدي سوى إلى استمرار الأزمة واستمرار الإنهيار.
لا فارق بالنسبة للبنانيين بين طالبي الرئاسة من حزب الله، جبران باسيل وسليمان فرنجية سوى على مستوى الإستساغة الشخصية وثقل أو خفة الظلّ، فكلاهما طالب وصاية، وكلاهما يجاهر بذلك دون أي حرج. يريد سليمان فرنجية الخروج من الحياة السياسية كرئيس للجمهورية تكريساً لتقليد يعتبره حقاً عائلياً، فالعائلة إلتصقت بسوريا وبعائلة الأسد. لا خيارات أو طموحات لدى سليمان فرنجية سوى من خلال ما تتيحه نافذة دمشق ووفق توجّهات آل الأسد بما في ذلك العلاقة مع حزب الله. إلتزم فرنجية وتفهم إنتقال المرجعيّة إلى حزب الله بعد خروج الجيش السوري من لبنان دون التسبب بأي إزعاج لدمشق، وانسحب ذلك على وتيرة العلاقات مع الدول العربية وقادتها التي تصعّد وتخبو وفقاً لمعايير الإقتراب والإفتراق التي تفرضها وتلتزمها دمشق.
أما طموحات جبران باسيل الرئاسية فتتجاوز واقعية فرنجية. هو الذي قدّم نفسه مرراً كرأس حربة لمهاجمة خصوم الحزب وتسجيل المواقف التي قد تحرج حزب الله أو طهران في الداخل كما في العالم العربي، وهذا ما يجعله اليوم واثقاً ومجاهراً أمام حزب الله بمطالبته بالرئاسة وما يجعل الحزب يبتلع على مضض مواقفه وما يضعه في موقع المتلعثم والمتردد في إظهار أي ردة فعل. قد تخضع كلّ مواقف باسيل للمراجعة باستثناء موقفه من موقع رئاسة الحكومة وصلاحيات رئيسها الدستورية التي دأب على الإعتداء عليها وكذلك موقفه من دول الخليج العربي وقادتها الذي اتّسق مع مواقف حزب الله وطهران وهو ما لا يمتلك سليمان فرنجية القدرة على القيام به إنسجاماً مع وقوف الرئيس الأسد في ردهة الإنتظار الإقليمي.
يصبو جبران باسيل لالتقاط جزئيات جمهورية الثلاثينيات التي اصطدمت بالمتغيّرات الإقليمية وعجزت عن مواجهتها، وواجهت سقوطها المنطقي مع إنفجار الحرب اللبنانية وسقوطها الدستوري مع توقيع إتّفاق الطائف. وفي حين استفادت الأحزاب اللبنانية التاريخية ذات المنشأ المسيحي كحزب الكتائب اللبنانية والكتلة الوطنية والوطنيين الأحرار من التجربة وحدّثت خطابها مسقطة كلّ طروحات الكيانية الضيقة ووهم الإنفصال عن العالم العربي وقضاياه، وانضمت إليها مكوّنات جديدة كحركة الإستقلال والقوات اللبنانية، يثابر جبران باسيل على محاولة إلتقاط فرصة العودة الى جمهورية مستحيلة أو جزء من جمهورية اندثرت متوسّلاً كلّ أنواع الحمايات من أي جهة أتت.
وفيما يبدو سليمان فرنجية مرشحاً رئاسياً أليفاً ومطمئناً لحزب الله يحوّل إرث جبران باسيل مع الحزب دون استبعاده عن الترشيح ، ومع استحالة خروج حزب الله من المأزق يتحوّل المجلس النيابي من مقر للسلطة المشترعة الى عقار متنازع عليه.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات