يشهد لبنان حالة غير مسبوقة من الضياع السياسي والاقتصادي والاجتماعي نتيجة عجز المكونات السلطوية من تحديد اتجاهات اللحظة السياسية الراهنة العالمية والاقليمية وتحولاتها وتحديد اتجاهاتها بعد الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها الكبرى، نتيجة المتغيرات التي طرأت على قواعد الاشتباك والانتظام الدولية والاقليمية ودخول العالم في متاهات مواجهات عسكرية مباشرة وتهديد باستخدام الاسلحة النووية وتجديد الاحلاف العسكرية والسياسية العالمية والاقليمية.
السلطة الطائفية غير قادرة على تجديد وظيفة لبنان بعد انهيار الاعلام والمصارف والجامعات والمستشفيات والخصوصيات الثقافية والتوازنات الاجتماعية، ومع انكشاف مظاهر الوهن والضياع السياسي تحاول المكونات السلطوية عبر البطولات الاعلامية الوهمية الاستثمار بافتعال الانقسامات الطائفية حول الاستحقاق الرئاسي بعد العبث بمكانة رئاسة الجمهورية الرفيعة في ادارة الانتظام العام عبر التمادي في التمديد والتعطيل والشغور وعدم تشكيل الحكومات بالاضافة الى التجاوزات السياسية والعسكرية والامنية والادارية والقضائية وتقويض كل اسباب ألدولة الوطنية.
البرلمان المنتخب حديثا عاجز عن القيام بابسط وظائفه التشريعية والرقابية والدستورية مما جعل انتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس الحكومة من مهام الدول الخمس من الاشقاء والاصدقاء الغير متفقين فيما بينهم على الاسباب والمنطلقات والاهداف والاولويات من انتخاب رئيس واحتواء النظام الجمهوري البرلماني قبل الوفاة ووضعه في غرفة الانعاش، الى اعلان موت النظام البرلماني والدخول في مرحلة انتقالية وابتكار نظام رئاسي عابر للطوائف مع مداورة ولامركزية مقنعة وتشكيل طبقة سياسية جديدة واعلان لبنان جديد.
مكونات السلطة الطائفية يجب ان تشعر بالمرارة والندم لانها لم تدرك بأن ما كان ممكن قبل سنوات غير ممكن الان، وانها فشلت في تقدير مدى خطورة التحولات الوطنية والاقليمية والدولية، وانه كان يتوجب على مكونات السلطة عدم الدخول في الشغور الرئاسي وتقديم انتخابات رئاسة الجمهورية على الانتخابات النيابية في ٢٠٢٢على القاعدة التي اعتمدها نظام الوصاية في ادارة الازمة ١٩٧٦ بالايحاء الى المجلس النيابي تعديل المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية من شهرين الى ستة اشهر وانتخاب الرئيس الياس سركيس.
ان قواعد ادارة الازمات تحتم على الخاطف الحفاظ على الرهينة لان موت الرهينة يعني انتهاء المهمة، والدول الشقيقة والصديقة والعدوة التي ادارت الازمات في لبنان تميزت بالحنكة والمهارة وحافظت على سلامة الشعب اللبناني تحت الوصاية والاحتلال، في حين ان العصابات الطائفية اللبنانية التي اختطفت شعب لبنان سكرت بالسلطة واهملت سلامة الشعب بكل رعونة وغباء رغم كثافة الانذارات والمؤشرات التي كانت تدعوها الى الحذر والانتباه من تحركات ٢٠١٩ وانهيار القطاع المصرفي، الى انفجار ودمار ٤ اب ٢٠٢٠، الى تحولات الانسحاب الاميركي من افغانستان ٢٠٢١، الى الحرب الروسية الاوكرانية ٢٠٢٢، وكلها مؤشرات كانت تؤكد على ان بقاء النظام الجمهوري البرلماني مرتبط في الحفاظ على سلامة شعب لبنان.
ربما نكون امام لبنان جديد ووظيفة انتاجية مغايرة عبر الاستثمارات بمصادر الطاقة والمرافئ والمطارات، وتشكيلات سياسية مغايرة وشخصيات إقتصادية جديدة ذات تاثير اجتماعي وسياسي من خارج نادي المليشيات والعائلات، والدول الخمس الرئاسية تواجه اتجاهات متباينة بين فصل ازمة لبنان عن ازمات المنطقة وتوليد لبنان جديد، وبين العودة الى وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا وغيرها من دول الازمات، وهناك من يتوقع احداث قاهرة نتيجة تعاظم الازمة المالية المعيشية ومع التخوف الدائم من تطورات امنية وعسكرية.
ان امتناع المكونات السلطوية عن تلقي لقاح الطائف والغاء الطائفية السياسية ادى الى تفشي الوباء الطائفي وموت النظام الجمهوري البرلماني وحفظ الله لبنان .