Site icon IMLebanon

خلط أوراق» ومُراجعة حسابات خارجيّة بعد خسارة «خصوم» حزب الله

تكليف «القوات» قيادة المعارضة فشل… الرياشي وأبو فاعور الى الرياض باريس لا تمانع «تعويم» ميقاتي… وترفض بقاء عون في بعبدا بعد تشرين

 

تفاوت شعور او اعتراف القوى الاقليمية والدولية المناهضة لحزب الله بحجم «الخسارة» في جلسة البرلمان الاولى، واشنطن لمست مرة جديدة خيبة الامل من «حلفاء» انانيين لا يكترثون الا لمصالحهم الخاصة، كما وصفهم شينكر مؤخرا. باريس ثبتت نظريتها القائمة على عدم امكان تجاوز حزب الله في المعادلة اللبنانية، وعادت للاهتمام بالملفات التالية. وفيما عكس «الاعلام الاسرائيلي» اقرار قيادته «بالهزيمة»، تبحث السعودية عن مراجعة باتت ضرورية بعدما اخفق الرهان على قيادة «قواتية» للمعارضة.

 

وفقا لمصادر سياسية بارزة، قد يكون رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري المبعد بقرار سعودي عن الحياة السياسية اللبنانية، الاكثر حضورا في جلسة ساحة النجمة الاولى، نتائج غيابه مع كتلته النيابية الوازنة ادت الى الانهيار الكامل لرهانات السفير السعودي الوليد البخاري، الذي كان يعوّل على «القوات اللبنانية» لقيادة تحالف المعارضة بوجه حزب الله وحلفائه، لكنها سجلت اخفاقا ستكون له تداعياته اللاحقة على الاستحقاقات المقبلة، بعدما تبين صحة المقولة التي يعرفها الجميع ، الا «معراب» والرياض، بان «القوات» غير مؤهلة لتكون رافعة لاي تحالف ضد الحزب، سواء «بشراكة» هجينة مع النائب وليد جنبلاط، او من خلال الرهان على التأثير بمجموعة من النواب السنّة باعتبارهم «فراطة» يسهل تطويعهم، لكنهم اثبتوا في الجلسة الاولى، انهم اقرب الى خيارات الحريري السياسية المعادية، وهم مستعدون الى العمل «نكاية» بـ «القوات اللبنانية» وليس واردا ان يكونوا تحت «جناحها».

 

وفي هذا السياق، الاخفاق الفعلي يجب ان يعزى للاستراتيجية السعودية في لبنان، بعدما انتجت مراكز قوى مشرذمة وضعيفة في مواجهة حزب الله وحلفائه، اثر تفكيكها لاهم قوة سياسية في البلاد يمكنها ان تشكل في الواقع، وليس في الخيال، اقوى ركيزة يمكن الاتكاء عليها لخلق التوازن مع الفريق الآخر. فعندما تحدث الحريري مؤخرا امام احد كبار المسؤولين الرسميين، عن ان حظوظ عودته الى العمل السياسي في لبنان، بوجود الامير محمد بن سلمان في السلطة «تقارب الصفر»، فهذا يفسر الكارثة المحققة في ظل غياب اي رؤية واضحة وجدية لدى المملكة لمقاربة الملف اللبناني، فاضعاف اكبر الاحزاب السنية دون خلق البديل، والظن ان «القوات اللبنانية» قادرة على ذلك، يمثل قمة الفشل الاستراتيجي في قراءة المشهد اللبناني. ووفقا للمعلومات، ابلغ السفير السعودي مَن تواصل معه، بان ثمة مراجعة قد بدأت في المملكة، ويجري الاعداد لزيارة قريبة لكل من النائبين وائل ابو فاعور، وملحم رياشي للتداول في اسباب هذا «الاخفاق».

 

ولعل اكثر المواقف تعبيرا عن «المأزق»، تغريدة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر» بقوله انه «بعد هزيمة الامس للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس، نتيجة سوء التنسيق، قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من اجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية – الإيرانية التي للتذكير ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم احدا.» ووفقا لاوساط مطلعة، لم يكن جنبلاط راضيا عن الدور القيادي الممنوح سعوديا «للقوات»، وقد اثبتت الاحداث صحة موقفه، ولهذا يطالب «ببرنامج» واضح يشكل بوصلة للتحرك، وليس خلق حزب «قائد» لا يثق به احد الا «القواتيون»؟!

 

في المقابل، الفرنسيون الاكثر واقعية بين اقرانهم، قلقون من دخول البلاد في حال من الفراغ الكامل على صعيد السلطة التنفيذية، وهم يرون ان ما حصل في جلسة البرلمان، يؤكد صوابية تعاملهم مع الملف اللبناني انطلاقا من عدم «قطع الجسور» مع حزب الله ، الذي سجل مرة جديدة «نقطة» لمصلحته من خلال الادارة الجيدة للمعركة التشريعية التي اعادت انتاج المفاصل الحيوية لتلك السلطة، كما يريد لها ان تكون، على الرغم من خسارته الاغلبية في البرلمان، وعلى الرغم من ان حليفيه هما الاقل حصولا على الاصوات الشعبية في الانتخابات. ووفقا لاوساط نيابية بارزة، تعتقد باريس ان حزب الله لا يزال لاعبا يصعب تجاوزه في اي من الاستحقاقات الاساسية في البلاد، ولهذا هي بصدد تكثيف اتصالاتها بقيادة الحزب على ابواب الاستحقاقين الحكومي والرئاسي.

 

وقد تحرك الفرنسيون بسرعة، فالتقت السفيرة الفرنسية آن غريو رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بالامس، واللافت، وفقا للمعلومات، انه حرص مجددا على «النأي» بنفس تياره السياسي عن اي شركة مع الكتل النيابية الاخرى، على الرغم من سيناريو انتخاب رئيس المجلس ونائبه، وابلغها بعدم وجود أكثرية نيابية مرجّحة، مشددا انه ليس جزءًا من اي اكثرية او اقلية!

 

هذه الخلاصات التي يتمسك بها باسيل، ليست واقعية سياسية بحسب تلك المصادر، وانما جزء من استراتيجية «المناورة» المقصودة، كيلا يقدم اي التزامات للفرنسيين في ملفين اساسيين، الحكومة والرئاسة الاولى، وهو يتقصد الحديث عن تفاهمات «بالقطعة» في المجلس الجديد دون «المونة» على اكثرية تقريرية قادرة على الحسم في مختلف الملفات، بعدما اكدت غريو على أهمية الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الإقتصادية والمالية اللازمة، اي ضرورة تراجع باسيل عن مطلبه بتشكيل حكومة سياسية قد يتأخر تشكيلها طويلا، واذا كان الفرنسيون لا يعارضون «تعويم» حكومة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لم يبد باسيل اعتراضا على «الفكرة» التي تحتاج الى تخريجة» دستورية» في البرلمان.

 

اما ملف الاستحقاق الرئاسي، فلم تحمل غريو معها اي مؤشرات توحي بان بلادها تضع باسيل ضمن قائمة المرشحين للوصول الى بعبدا، كما لم يدخل الاخير باي نقاش حول الاسماء المفترضة، الا ان السفيرة الفرنسية كانت حريصة على ابلاغه برفض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون شخصيا لبقاء الرئيس عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته، تحت اي مسوغ، لان في الامر خروجا واضحا عن الشرعية، الذي لا يمكن ان تتحمله فرنسا. وكان باسيل واضحا في كلامه بان الرئيس لم يفكر يوما بهذا الخيار!

 

في الخلاصة، مجريات الجلسة الاولى للبرلمان «خلطت الاوراق»، وفرضت على الكثير من القوى في الداخل والخارج اعادة صياغة للموقف لمواكبة استحقاقات المرحلة المقبلة، في ظل قلق جدي لدى خصوم حزب الله من قدرته الراجحة على تمرير الاستحقاق الرئاسي وفقا لما يحقق مصالحه، اذا ما جرى نسج تفاهم على «الاثمان» بين باسيل وفرنجية ما يسهل دخول الاخير الى بعبدا. وفي هذا الوقت، وحدها «اسرائيل» تحدثت دون «قفازات»، فأشار اعلامها الى ان معارضي حزب الله منيوا بالهزيمة الاولى بعد الانتخابات، وسقطوا في «الامتحان الاول»!