بعد الكثير من الأخذ والرد والتحليلات والتحريمات، توجه الرئيس الحريري مع وفد يضم وزير الخارجية جبران باسيل الى الرياض للمشاركة في القمة السعودية/ الاسلامية/العربية – الأميركية، في خطوة لها اكثر من دلالة محليا، عربيا ودوليا. على الصعيد المحلي، يستمر التنسيق بين الرئاسات لتجاوز قطوع الاشكالات البروتوكولية التي رافقت الدعوة الى القمة، وقد أكد الرئيس الحريري على التزامه خطاب القسم والحفاظ على خصوصية السياسة في الوطن الصغير وصيانة وحدته، مما يعني تلافيه التعرض للمقاومة في البيانات الختامية، كما جرت العادة. اما اقليميا، فقد أكدت المؤسسات الرسمية على وقوف لبنان تحت المظلة العربية، ورغبته بطي الصفحة السوداء التي مرت الى غير رجعة. واخيراً، على الصعيد الدولي، لا يزال لبنان ملتزما القرارات الدولية، الى أقصى حدود قدرته، على الرغم من قسوة العقوبات التي فرضت عليه لتجفيف مصادر تمويل حزب الله، والتي طالت اقتصاد لبنان برمته وعلى رأسه النظام المصرفي، اخر قلاع الصمود الاقتصادي في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها دول المنطقة، ولا تزال تنعكس سلبا على الشقيق الصغير.
مع كل هذه الرسائل الإيجابية التي ارسلها لبنان في اكثر من اتجاه من خلال مشاركته في قمة الرياض، هل يلاقيه الافرقاء المحليون والشركاء الدوليون في منتصف الطريق، أم انه سيبقى حسابا مفتوحا في اتجاه واحد؟ بمعنى آخر، هل يوازي حزب الله والفريق الداعم له الشروط التي رافقت مشاركة الرئيس الحريري في القمة الجارية، التي تقضي بعدم المس بالمقاومة وتصنيفها بالمنظمة الإرهابية وما الى ذلك… حفاظا على الوحدة الوطنية! فهل يلتزم حزب الله بدوره في الحفاظ على الوحدة الوطنيةً نفسها من خلال تحييد لبنان عن الاجندات الإقليمية وعدم زجه في مغامرات سياسية وعسكرية لم يعد قادرًا على تحملها، وهل ينضم الى الاجماع الوطني الداعي للحفاظ على الأمن والاستقرار حتى يتسنى للمؤسسات المصرفية والاقتصادية مواجهة العقوبات المالية التي فرضت وسوف يفرض المزيد منها على الوطن الصغير بسبب سياسات الحزب الإقليمية ومشاركته في سياسة المحاور التي تتحكم بالمنطقة منذ فترة؟
اما على الصعيد العربي، هل تستعيد دول مجلس التعاون دورها الداعم للبنان الذي يجاهد في كل تفصيل وعند كل استحقاق ليحافظ على صوت الاعتدال وعلى هويته العربية في وقت يحاول التطرّف محو هذه الصورة، تارة عبر الضرب بيد الاٍرهاب الملوثة بدماء الأبرياء، وطورا عبر الاغداق بالاموال المشبوهة لغايات بعيدة عن الدعم البريء للمؤسسات والأفراد الذين تخلت عنهم قنوات الدعم الرسمية والخاصة المألوفة وتركتهم دولتهم للفقر والتهميش ينهش بفكرهم ويعبث بقدرتهم على التمييز بين الحق والباطل؟
واخيراً وليس آخرا، يبقى التعويل على المجتمع الدولي ليتحمل دوره تجاه الوطن الصغير الغارق بأزماته السياسية والاقتصادية التي باتت تفوق قدرته بعد وفود ما يزيد على المليوني نازح سوري، مع كل ما يعني ذلك من استنزاف للمقدرات الاجتماعية والصحية والاقتصادية، في وقت ترفض اكثر الدول تقدما ان تلتزم بدورها الطبيعي امام هذه الكارثة الانسانية التي لم تتكرر منذ الحروب العالمية!
هل المطلوب دائما ان يخضع لبنان لامتحانات الوطنية والسعي لنيل شهادات حسن السير والسلوك، في حين لا الزام لأي طرف محلي بالحفاظ على وحدة الوطن وأمنه، أو أي طرف خارجي لتأمين الدعم اللازم لمواجهة رياح الاٍرهاب والتطرّف من جهة، ورد فيض النزوح وتبعاته من خلال الدعم الضروري لاستيعابه؟
تبقى مشاركة لبنان في قمة الرياض على أهميتها ليس فقط من خلال نجاح لبنان الرسمي على تحقيق التوازن بين مصالحه الداخلية والتزاماته الدولية، بل بإلزام سائر الأطراف المحلية والإقليمية بواجبها تجاه الوطن الصغير، شعبا ودولة ومؤسسات!