الذين انزعجوا من تفاهم حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، اما لاسباب شخصية او سياسية او طائفية، يستمّرون بانتهاز الفرص، او بخلق الفرص للانقضاض على هذا التفاهم والتشويش عليه، متأملين ان ينجحوا في مكان ما، او فرصة ما، من دقّ اسفين الخلاف بين الحزبين، علماً بأن هؤلاء المنزعجين يملكون مساحة اعلامية واسعة، من محطات تلفزيونية او اذاعية، وصحف ومجلات، وعشرات المواقع الالكترونية، وكلها تكرّس نشاطها في اتجاه اسقاط التفاهم، والعودة الى الماضي وفتح الملفات ونبش القبور، وكانت الانتخابات البلدية والاختيارية بمثابة «شحمة على فطيرة» لهؤلاء، فبدأوا منذ اللحظة الاولى، العمل على هدفين، الاول، خلق صدام وسوء تفاهم وخلافات بين الحزبين، على ما اسموه، حصص كل حزب في المجالس البلدية، بنشر أخبار «ومعلومات» كاذبة عن تمسّك كل حزب اما بالرئيس او بنائبه او بعدد الاعضاء، والنيّة خلق اجواء من البلبلة في اوساط القاعدة الحزبية لكل حزب، والهدف الثاني، وهو الاخطر، تصوير الحزبيين، وكأنهم آتون من بلد آخر او كوكب آخر، لأكل حقوق العائلات وتسكير بيوتهم، واذا كان المسؤولون في الحزبين، لا يقصّرون في الاعلان ان الخلاف بين الحزبين ممنوع، ولا يمكن ان يحصل، وان التفاهم بينهما يطول جميع الحالات، ووجدوا تلك الحالة حلا، الا ان التقصير يحصل في التفصيل، وكان مفيداً لو تم تشكيل لجنة مشتركة موصولة بالقيادات، تتابع جميع ما يحصل على الارض، وتنشر بياناً يومياً بالتطورات، فيكون المواطن عندها محصّناً ضد الشائعات والفبركات التي تضخّ في اليوم عشرات الشائعات والأخبار والتمنيّات، بقصد ارباك المواطنين، لان المواطن عندما يلمس على الارض ومن خلال البيان اليومي اين هي الصعوبات، واين هي النجاحات، وما هي التدابير التي تتخذ، يتحصّن عندها، ويتأكد ان الحزبي هو ايضاً ابن العائلات وليس مستورداً، وان الهدف ليس الاقصاء والتهميش والابعاد، بل التفتيش عمّن هو قادر على العطاء، وهمّه انماء بلدته، حزبياً كان او مستقلاً…
ان اثارة موضوع العائلات والاحزاب، ليس الهدف منه، تقديم خدمة للبلدة، بل خلق حالة من عدم الثقة بين الاحزاب والناس، فتسلّم العائلات المجالس البلدية، ليس بالضرورة انها ستفعل العجائب، وقد اثبتت التجارب ان خلافات العائلات بين بعضها بعضاً، وبين «الاحباب» في كل عائلة، هي التي حالت دون انماء مئات البلديات وتقدّمها، في حين ان اشخاصاً من عائلات صغيرة وقليلة العدد، عملوا الكثير لبلداتهم بالتعاون والتنسيق والانسجام مع غيرهم من الحزبيين والمستقلين، اما التمسّك بما يسمّى العائلة، فلا معنى له ولا مكان في اي دولة متقدمة، بل هي الاحزاب التي تتنافس ديموقراطياً وليس عائلياً، وهي التي يحاسبها الشعب وليس العائلة، حتى ان هناك دولاً تشرك المقيمين في الانتخابات البلدية، لانهم معنيون بالانماء مثلهم مثل اصحاب الارض، وبالماء والكهرباء والطرقات والنظافة وغيرها من الامور.
***
بسبب ضعف الدولة المركزية وفساد المسؤولين فيها، اصبح مطلب اللامركزية الادارية الموسعة اكثر الحاحاً وقبولاً من الجميع تقريباً، وهو هدف لا بد من الوصول اليه قريباً، قبل خراب البصرة، وقد تكون الانتخابات البلدية التي تشارك فيها الاحزاب بجدية وتصميم على التحديث، بداية الطريق الى اللامركزية الادارية، حيث يـأخـذ الشعب بيديه مسؤولية انماء بلدته ومنطقته، وتحسين اوضاع المقيمين، بما يرفع من شأن البلدات سياحياً واقتصادياً وعمرانياً وثقافياً وامنياً، وهذا عمل اجاده تماماً حزب القوات اللبنانية لمدة من الزمن، قبل ان ينقضّوا عليه، بمثل ما ينقضّون اليوم على تفاهمه مع حزب التيار الوطني، وعلى سعيه للتفاهم مع جميع الاحزاب الاخرى للنهوض بالبلدات والقرى التي همشّت وافقرت طول سنوات الوصاية على لبنان.
الاعضاء في الاحزاب، هم ابناؤنا واباؤنا واخوتنا واقاربنا واصدقاؤنا، وليسوا جسماً غريباً كما يريد ان يصوّرهم الحاقدون.