IMLebanon

التقسيم وحروب المئة عام

من الواضح أنّ إطلالة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، تأتي في سياق تحضير الرأي العام لبدء معركة القلمون. أما العناوين الاخرى التي عرضها، فيمكن اعتبارها متابعات لمواقف سابقة بإستثناء ما ذكره عن «مشروع التقسيم» في العراق.

هي المرة الاولى التي يتحدّث فيها السيد نصرالله محذّراً من مشروع التقسيم. جاء كلامه واضحاً، لجهة التحذير من مخاطر هذا المشروع على المنطقة بأسرها. أما تخصيص فقرة خاصة لتناول هذا الملف فيمكن وضعه في إطار الاولويات التي يعلن حزب الله أنه معني بها وبمواجهتها ومن ضمنها «تقسيم المنطقة». 

مشروع القرار في الكونغرس الاميركي حول دعم وتسليح جماعات عراقية اوضح خطوة تقوم بها الادارة الاميركية تمهيداً لخلق وقائع تدفع الى تقسيم العراق. وحزب الله الذي يقاتل هذا المشروع في سوريا، يرى أنّ تمرير التقسيم في العراق من شأنه أن يدفع المنطقة العربية بأسرها نحو التفتيت. وهذا كما ذكر السيد نصرالله مقدمة لحروب طائفية ومذهبية وقبلية وعشائرية لا تنتهي. مع العلم أنّ الدول الحليفة لواشنطن مدرَجة على قائمة «التفتيت والشرذمة» اذا نجح الامر في العراق وسوريا واليمن. والارجح أنّ المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من محاولات الدفع نحو التقسيم وذلك لجعله واقعياً مناسباً مع وقائع الميدان وما يمكن أن يسفر عنه في المرحلة المقبلة.

يروي ديبلوماسي روسي، أنّ وزير خارجية دولة عربية مهمة حمل معه خرائط ومقترحات حول التقسيم لعرضها على القيادة الروسية. وأنه سمع جواباً قاطعاً من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «التقسيم إذا بدأ في سوريا والعراق سيصل الى اليمن ولن تكون دول الجوار بمنأى عنه وعن تداعياته». ويؤكد الديبلوماسي الروسي أنّ الاميركيين عبر ديبلوماسيّتهم حاولوا طرح الفكرة على الروس في إطار تقاسم نفوذ اميركي-روسي كما فعلت فرنسا وبريطانيا مطلع القرن العشرين، ولكن جواب موسكو جاء بارداً على اعتبار أنّ قيام كيانات مذهبية في الشرق الاوسط هو الوصفة السحرية لنموّ الارهاب وإزدياد المخاطر على الامن الروسي والاوروبي وحتى الاميركي. 

الديبلوماسي نفسه لا يرى أنّ واشنطن تسير فقط في هذا الاتجاه. بل يجزم بأنها ستتعامل في النهاية مع الواقع الذي يفرضه الميدان، وهي تنتظر إعلان اللاعبين عن تعبهم ورغبتهم بالتسوية حتى تسير في هذا الاتجاه او ذاك. 

اوساط متابعة لهذا الملف في قوى 8 آذار تجزم أنّ فكرة التقسيم قائمة وواردة اذا كانت وقائع الميدان في العراق وسوريا واليمن مؤاتية، وإذا وصلت آفاق التسوية السياسية الى نهايتها ولم يستطع المجتمع الدولي والاقليمي اجتراح حلول. وتتحدّث عن مشاريع التسوية التي جاء بها الموفدون الدوليون الى طهران ودمشق، حيث لمست القيادة السورية نزوعاً أميركياً-عربياً لتسوية النزاع بطريقة لا تحافظ على وحدة الاراضي السورية. وفي هذا السياق تقول الاوساط نفسها إنّ مشاريع الحلّ السياسي التي طرحت في معظمها تضمّنت تعديلاً في النظام السياسي نحو اللّامركزية، وهذا يعني قيام فيدراليات في إطار الحفاظ على الجغرافيا. 

وتضيف الاوساط عينها أنّ المشكلات القائمة في الدول العربية في غالبيتها لا تحلّ بالمنطق الفيدرالي. فالصراع ليس على تقسيم الثروة والسلطة بقدر ما هو صراع على الخيارات الاستراتيجية والسياسات الخارجية. وهنا مَن يضمن موقفاً واحداً في السياسة الخارجية بين الولايات؟ وما الذي يضمن بألّا تنزع «الولايات» في ايّ جمهورية فيدرالية نحو الاستقلال بحجة عدم التفاهم على الرؤية السياسية مع الاقاليم الاخرى؟ وما هو ضامن علاقات الولايات الفيدرالية بعضها ببعض؟ واذا امتلكت هذه الفيدراليات سلاحاً ما ضمانة عدم نشوب حروب اهلية ذات طابع مذهبي بينها؟

مشروع التقسيم هو مشروع حروب تتناسل ولا تنتهي، وقد تستمرّ مئة عام كما غيرها من الحروب الاهلية والمذهبية التي شهدها العالم.