إلى تعزيز فكرة تدَخّلِهم المباشَر في المنطقة وترسيخها على حافة «الكيانات» السياسية والعسكرية التي أقاموها، الأمر الذي يُبعِد فرَص الحديث عن مشاريع حلول سياسية، سواءٌ في سوريا أو العراق أو اليمن.
فالخطوط الحُمر بدأت بالارتسام في المناطق الجاري تطهيرُها من كلّ طرَف، والقبول بفكرة إدارة الصراعات فيها قد يكون الأكثر ترجيحاً، الأمر الذي قد يُفضي إلى مزيد من المعارك العسكرية في مناطق جوهرية، من دمشق وحلب إلى صعدة وجنوب اليمن، إلى «الكيانات» العراقية التي ترسم حدودها بالدماء.الخطوط الحُمر بدأت بالارتسام في المناطق الجاري تطهيرُها من كلّ طرَفبعيداً من التضخيم الإعلامي الذي مارسَه النظام السوري تجاه ما جرى في تدمر، والتحذير من الأخطار المحدِقة «بالتراث» العالمي، ومحاولة إظهار نفسه في موقع الضحيّة والشريك معاً في الجبهة التي تُقاتل هذا التنظيم، إلّا أنّ ما جرى في الأيام الماضية أظهرَ أنّ استراتيجية مقاتَلته وصلت إلى طريق شبه مسدود.
على الأقلّ، هذا ما صرَّحَ به عدد من المسؤولين الأميركيين، خصوصاً أولئك الذين ينتقدون أداء إدارة الرئيس باراك أوباما في هذا المجال.
فالتقليل من أهمّية سقوط الرمادي لا يعدو ذرّاً للرماد في العيون، فيما تبريرات بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية لهذا السقوط، لا تكفي لتغطية «الصفقة» التي تسعى إليها إدارة أوباما مع إيران لإنجاز الاتّفاق النوَوي معها.
بعض الأوساط ينقل عن موظفين أميركيين رفيعِي المستوى أنّ التصعيد اللفظي المفاجئ في نبرة مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، ورفضَه قبول تفتيش المنشآت النووية والعسكرية أو السماح بمقابلة العلماء الإيرانيين، إنّما هو تعبير عن استيائه من الهزائم التي تتعرّض لها سياسات بلاده في أكثر من مكان، وبأنّه الإشارات الأكثر وضوحاً عن طبيعة المفاوضات الإقليمية المقبلة عليها إيران بعد توقيعها الاتّفاقَ النووي في نهاية حزيران المقبل.
تضيف تلك الأوساط أنّ إحساس القيادة الإيرانية بحجم الضغوط والإصطفافات الإقليمية المتشكّلة ضدّها، بات يَطرح عليها تحدّيات تسعى إلى محاولة تخفيفها بالضغط على واشنطن للتدَخّل من أجل كبحِ جماح «جماعاتها».
ومهما قيلَ عن «ضآلة» الإنجازات والتعهّدات الأميركية التي أعطِيَت في قمّة كامب دايفيد، إلّا أنّ الوقائع الميدانية تشير إلى أنّ قدرة إيران على الاستفراد بالمنطقة تتقلّص موضوعياً.
لكنّ هذه الأوساط تشير إلى نقاشات جدّية أجرَتها القيادة الأميركية في الأيام الماضية، خصوصاً اجتماع مجلس الأمن القومي الذي انعقَد قبل أيام برئاسة أوباما، خرجَت بخلاصة تَختصرها تلك الأوساط بكلمة «يأس» من أحوال المنطقة.
كان لافتاً أيضاً تأكيدات المتحدّث باسم البنتاغون ستيف وارن أنّ المراجعة التي تُجريها القيادة العسكرية للعمليات الجوّية هي تكتيكية وليست استراتيجية، ما يَصبّ في نهاية المطاف بتأكيدات القيادة السياسية أنّ حروب المنطقة تخصّ أبناءَها، بعدما ارتضَت حكوماتُها ودولها التعاملَ مع بعضها وفق انقساماتها الطائفية والمذهبية، وليس وفق تشَكّلاتها السياسية والوطنية.
وترَجّح تلك الأوساط أن يقود مسار الأحداث مختلف الأطراف إلى التموضع وفقَ منطق انقساماتها المشار إليها أعلاه، ما يؤشّر إلى أنّ لغة الحلول السياسية الشاملة لا تزال بعيدةً جداً، فيما المطروح هو المضيّ في سياسات رسم خطوط التماس وتحويلها حدوداً تقسيمية شبه رسمية، قبل الوصول إلى قناعات باستحالة تحقيق غلبَة طرَف على آخر.
تقول تلك الأوساط إنّ عودة «الحرارة» إلى العلاقات الاميركيةـ الروسية، معبَّراً عنها بلقاء وزير الخارجية جون كيري نظيرَه الروسي سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين، هدفَت بالدرجة الأولى إلى محاولة الحفاظ على الإجماع الدولي لإنهاء الملف النووي الإيراني، ومحاولة تأجيل كلّ الخلافات التي من شأنها التأثير عليه، وإيجاد مخارج مقبولة للأزمة الأوكرانية، ظهرَت تباشيره في التصريحات الروسية المرحبة بتفعيل اتّفاق الشراكة الاقتصادية ـ الأوروبية مع أوكرانيا، في حين أنّ البحث في الملف السوري أظهرَ قراءةً شِبه موحّدة بأن مستقبل الصراع فيها مفتوح على آفاق، لا يستبعد منها محاولة تشريع أو على الأقلّ تسهيل فكرة الكيانات المتعدّدة، تماهياً مع ما هو متوقّع أيضاً في العراق.
وتعتقد تلك الأوساط أنّ الإيرانيين يتّجهون إلى تعزيز فكرة تدَخّلِهم المباشَر في المنطقة وترسيخها على حافة «الكيانات» السياسية والعسكرية التي أقاموها، الأمر الذي يُبعِد فرَص الحديث عن مشاريع حلول سياسية، سواءٌ في سوريا أو العراق أو اليمن.
فالخطوط الحُمر بدأت بالارتسام في المناطق الجاري تطهيرُها من كلّ طرَف، والقبول بفكرة إدارة الصراعات فيها قد يكون الأكثر ترجيحاً، الأمر الذي قد يُفضي إلى مزيد من المعارك العسكرية في مناطق جوهرية، من دمشق وحلب إلى صعدة وجنوب اليمن، إلى «الكيانات» العراقية التي ترسم حدودها بالدماء.