IMLebanon

شريك «النقطة والفاصلة»!

 

معبّرةً كانت مهلةُ الأشهر التسعة التي استغرقتها مشاوراتُ التأليف لكي ترى الحكومةُ النور. لم يكن الأمرُ تفصيلاً بسيطاً. يجزم المعنيون أنّها من المرّات النادرة التي تنأى فيها مفاوضاتُ القوى السياسية لحياكة عباءة الحكومة، عن العوامل الخارجية والاقليمية، مهما أبدعت مخيّلاتُ بعض المعنيين في لحظاتٍ كثيرة إنسدّ خلالها أفقُ التأليف. لكنّ الأيام أثبتت بما بلا يقبل الشك، أنّ الشياطين اللبنانية وحدها التي تحكّمت برزنامة الولادة وفرضت ساعتها.

 

بهذا المعنى، من الواجب قياس المهلة الزمنية تلك، بميزان دقيق، كونها تحمل دلالات حسّية ومؤشّرات واضحة الى ما ينتظر الحكومة في «رباعية سنواتها» المفترَضة.

 

يكفي أن يقف النائب حسن فضل الله على منبر «الثقة المحسومة» ليتحدث بالفم الملآن عن «ملياراتٍ» تتطاير في فضاء الهدر والفساد وعلى مرأى من الجميع، مطالباً المدّعي العام وضعَ يده على ملفات «مشبوهة»… ليُقرأ مكتوبُ الحكومة من عنوان خطابات «تقليعتها» الصاروخية!

 

يدرك «حزب الله» جيداً أنّ ما ينتظر الحكومة لن يكون مشواراً سهلاً أو معبّداً بالورود. جولاتُ الملاكمة التي سبقت الولادة تشي في أنّ جلسات مجلس الوزراء، وما يسبقها من مفاوضات في الغرف المغقلة، ستكون أكثرَ قساوةً وضراوة، لتحوّلها متاريسَ دائمة.

 

ربطاً بالمهمات التي تضعها الحكومةُ لنفسها، بدءاً بمحاولة «انتشال» المالية العامة من الغرق، من خلال استقدام «مليارات مؤتمر سيدر» وملحقاتها من تلزيمات وصفقات «العيار الثقيل»، يصير من السهل الجزم في أنّ اللبنانيين سيكونون على موعد أسبوعي مع «فيلم أكشن» ستدور وقائعُه على طاولة مجلس الوزراء.

 

ولهذا، يجوز القول إنّ الحكومة تواجه مساراً تعجيزياً يصعب تصوّر تعرّجاته ومندرجاته، طالما أنّ الولادة تمّت «على الجبهة». وما بُني على جبهة، فهو حكماً «جبهة مفتوحة»!

 

هكذا يُفهم إصرار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على خوض معركة «الثلث المعطل» حتى اللحظة الأخيرة. ولو أنّ النهاية أتت «ملتبسة» بفعل الغموض البنّاء لدور الوزير حسن مراد وتموضعه، إلّا أنّ وزير الخارجية يتصرف على أساس أنّ الثلث صار في الجيب.

 

من اللحظة الأولى، أبدى «حزب الله» مرونته تجاه مطلب حليفه إذا كان «تقريش» هذا الثلث في القضايا الاستراتيجية. لا خشية لديه من استخدام الورقة التعطيلية في مسألة لها بُعدٌ خارجي. وحين سجّل رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية اعتراضه في بكركي، فقد كان يقصد التصدّي لاستخدام «الفيتو الحكومي» في مسائل داخلية، ستجعله سيفاً مسلطاً بيد باسيل، ليس في وجه الثنائي الشيعي ولا في وجه رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وإنما في وجه القوى المسيحية الأخرى الموجودة على طاولة مجلس الوزراء.

 

في النتيجة، تنطلق الحكومة في عملها، على عامود تفاهم مبدئي بين الحريري وباسيل، قد يستدرج تقاطعاً بين القوى الأخرى من باب التصدّي لهذا التفاهم، في طليعتهم، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وفرنجية… واستطراداً «القوات». «رباعي» قد يجد نفسَه معزولاً عن تفاهم الحريري – باسيل، وقد يدفع ثمنه إذا لم يتضامن ويقف له بالمرصاد.

 

وفي مطلق الحالات، مشهدية مُربكة تُنذر باشتداد محاور جبهات الخصومة التي من شأنها أن تعطّل عمل الحكومة إذا لم تتمكّن التفاهمات السياسية الخارجية من حمايتها.

 

لهذا السبب يعتقد «حزب الله»، وفق المطّلعين على موقفه، أنّ تحصينَ الحكومة بمنظومة دفاعية سياسية ضرورة قصوى، لا بدّ من القيام بها قبل مباشرة عملها، خصوصاً وأنّ باسيل «ارتكب» كثيراً من الخصومات، مع الحلفاء قبل الخصوم، التي قد تُصعِّب مهمة الحكومة.

 

هكذا، سيحاول «حزب الله» المساهمة في نزع هذه الألغام، قدر الإمكان، من باب المساعدة على تعبيد طريق الحكومة، سواءٌ من خلال فتح باب الحوار والنقاش مع رئيس الحكومة، أو من خلال تذليل العقبات على طريق التعاون بين باسيل وبقية حلفاء «الحزب».

 

عملياً، قد يتحجّج الحريري بسلسلة اعتبارات خارجية قد تدفع به إلى الانكفاء عن حياكة تفاهم حكومي مع «حزب الله» خصوصاً وأنه متهم بترؤس حكومة لـ«حزب الله» اليدُ الطولى فيها، وبتقديم خدمات مجانية «للحزب». ولهذا فإنّ هذا التفاهم دونه محاذير قد تحول دون قيامه.

 

هكذا، سيُضطر «حزب الله» الى الاستدارة نحو جبهة الحلفاء والعمل على إصلاح تصدّعاتها، وما أكثرها وأصعبها، لا سيما في ما يخصّ العلاقة بين بري وباسيل من جهة وباسيل وفرنجية من جهة أخرى.

 

الأهم من ذلك كله، يشارك «حزب الله» في حكومة «الى العمل» شريكاً أساسياً، بالمعنى التنفيذي وليس السياسي فقط. لن يكتفي «الحزب» بالهامش الذي كان يعطيه لنفسه في الحكومات السابقة كشراكة سياسية تنأى بنفسها عن التفاصيل الداخلية. لهذه الجولة مقتضياتها التي تؤشر الى مرحلة جديدة في انخراط «الحزب» في الشؤون المحلية.

 

إصرار «الحزب» على حقيبة وزارة الصحة لن يكون فقط من باب فتح أبواب المستشفيات الخاصة أمام جمهوره وأمام الفقراء ممَّن لا يجدون من يطبّبهم، ولكن على أساس أجندة صحية متكاملة، تشكل فاتورة الدواء ومصادرُه الخارجية أحدَ بنودها الأساسية. وهكذا دواليك…