IMLebanon

سوابق ملفتة في مسار التآكل الديمقراطي.. هل تولد حكومة الشراكة بين لبنان الكبير ولبنان الصغير؟!

 

دخلت نتائج الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت الخميس الماضي في 23 حزيران الجاري، لتسمية رئيس يتولى تأليف حكومة جديدة، بين بداية الأشهر الأربعة المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون ونهايتها تاريخ العمل البرلماني والدستوري في لبنان، من زاوية ما أشرت إليه، لجهة الاضطرابات المتغيّرة على مستوى السلطات في البلد المنهك بسياسات بالغة السوء، أودت بأوضاعه كافة الى حافة الحضيض، على مستويات الاقتصاد والمال والنقد، والقضاء، وحياة المواطنين، وصولاً إلى أنظمة الحياة، المصرفية والإدارية والوظيفية، إلى الحدّ الذي يجعل الموظفين والمتقاعدين من مدنيين وعسكريين يقتربون من رؤية رواتبهم ومعاشاتهم في دائرة الخطر، بعد ان خسرت عشرات الأضعاف من قيمتها، وكادت ان تفي باليسير اليسير من الاحتياجات وشراء السلع الضرورية، بعدما عز الدواء والغذاء وصولاً إلى الخبز الأبيض العربي، الذي يشكل مادة حيوية من طعام الفقراء والمساكين، حيث  تحوّلت غالبية الشعب المنهك إلى فقراء ومعدمين.

 

تكاد الاضطرابات المتغيّرة هذه تختصر المشهد بين نظامين للبنان الحديث: هما نظام متصرفية جبل لبنان أو لبنان الصغير، حيث السلطة موزعة بين المتصرّف الأجنبي، وممثلين عن الدروز والمسيحيين، وقلة إسلامية.. ونظام لبنان الكبير بعد ضم الأقضية الأربعة إليه، ليصبح بمساحة تضم جنوب الأوّلي إلى مرجعيون وحاصبيا وصولاً إلى الناقورة جنوباً وغرباً والبقاع شرقاً وطرابلس وعكار والشمال اللبناني إلى النهر الكبير شمالاً، أي جغرافيا الكثرة السكانية من السنّة والشيعة، وهما الجماعتان الكبيرتان في الإسلام المجتمعي والسياسي..

بدا الرئيس نجيب ميقاتي المكلف من 54 نائباً بتسمية علنية، دونها الرئيس عون، وأطلع عليها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي ادخل عرفاً في الممارسة الديمقراطية، غير مسبوق تاريخياً، وتمثل بالمرشح الوحيد، الأوحد، الذي لا يقوى أحد على الترشح بوجهه، في رئاسة المجلس النيابي، الذي هو عرفاً من حصة الشيعة اللبنانيين، لينضم إلى الصورة الرئاسية لاحقاً ميقاتي، وهو رئيس حكومة تصريف الأعمال، والشخصية المرشحة لملء الفراغ الرئاسي، إذا حصل بعد 31 ت1 المقبل، كما يتخوف كثيرون، ومن بينهم ميقاتي نفسه، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي لم يسمِ الرئيس المكلف، متباهياً، عبر فذلكات، غير مسبوقة، بأن لديه اعتبارات، ورؤية لما يتعين ان يكون عليه الرئيس الذي سيؤلف الحكومة.

بقي نائب طرابلس السابق، والعضو السابق في نادي رؤساء الحكومات السابقين في سدة المسؤولية، ليس بحسابات نيابية، بل بشراكة مدروسة مع حليفه التقليدي الرئيس برّي، وبدعم إقليمي (تركي) وعربي (مصري – خليجي) ودولي (اميركي – فرنسي) لمنع الفراغ على مستوى السلطة في لبنان، الذي ترسم له الأجندات الخارجية، في إطار إعادة تشكّل النظام الإقليمي، في ضوء المترتبات الدولية والاقتصادية على حرب فلاديمير بوتين (الرئيس الروسي) على أوكرانيا (الدولة السابقة في الاتحاد السوفياتي العظيم).

تقضي وصغية لبنان، حسبما هو مخطط لها استقراراً ثابتاً في الأمن، وتداركاً ممكناً لبعض الأزمات الطاحنة (من الكهرباء إلى القمح)، واستقراراً هشاً، على المستوی السياسي، يجمع ما بين دينامية بطيئة في العمل وشلل لا يبلغ حدّ الموت البطيء.

ضمن برنامج يتعلق بالمفاوضات النهائية مع صندوق النقد الدولي، وإدخال إصلاحات بنيوية وهيكلية على النظام المصرفي، فضلا عن تحقيق تقدّم في القطاع الكهربائي، لجهة ساعات التغذية، والمضي قدماً في مفاوضات تسهيل انتاج الغاز من البحر، في سياق خطة دولية لتعويض الغاز الروسي إلى «أوروبا القديمة» التي تتهاوى عملتها الموحدة «اليورو» بعد الضربات الروسية لنظام كييف، وقبل ذلك، بعد انسحاب بريطانيا (العظمى سابقاً) من نظام الاتحاد الأوروبي، بمؤسساته كافة، والدوران مجددا في نظام الجنيه الاسترليني والدولار الأميركي.. ضمن هذا البرنامج يكتسب ميقاتي «الرابع» مشروعية دولية، في إدارة نظام لبنان الكبير المفلس، بمشاركة أو عدم مشاركة من دعاة «لبنان الصغير» أو نظام المتصرفية، نواب أقضية جبل لبنان بالغالبية المارونية والدرزية، باستثناء أقلية أرمنية موصوفة.

من التحريض المباشر على الرئيس المكلف الايعاز بالتركيز انه وصل بأصوات الشيعة، المحصورين بين الثنائي (امل – حزب الله) إلى وضع الشروط التعجيزية على الرجل، لجهة سلَّم مواصفات عالية، ان دل على شيء فهو يدل فقط على وضع العصي في الدواليب.

ليس من السهل رؤية الدروز، عبر الممثل الشرعي في البرلمان الحزب التقدمي الاشتراكي خارج الحكومة، والسؤال هل هو اعتراض على ميقاتي أم على شراكته مع الثنائي في إدارة البلد، امتداداً لتجربة حكومة تصريف الأعمال التي يُشارك فيها «التقدمي» عبر الوزير عباس الحلبي (وهو وزير التربية والتعليم العالي) الذي يفاخر في يومن من انه أعاد الاعتبار الى مستوى الامتحان الرسمي لشهادة البريفيه..

على الارجح، هو اعتراض على الشراكة مع الثنائي، وفي فترة زمنية «غير حرزانة» لاضاعة شعارات ذات صلة بالانتخابات النيابية، في تسويق محلي وغير محلي..

وإذا كان مفهوماً، حرص حزب «القوات اللبنانية» وهو المنافس للتيار الحاكم مسيحياً، في الامتناع عن المشاركة في حكومة مع حزب الله كما صرَّح بذلك رئيس الحزب سمير جعجع، مراراً وتكراراً، فإنه من  غير المفهوم، «الغنج» الذي يحيط به التيار الوطني الحر (وهو التيار الحاكم) مفاوضات تأليف الحكومة، رامياً الكرة على لسان رئيسه باسيل إلى ملعب التأليف، عبر المطالبة من الرئيس ميقاتي تهيئة الظروف لانتخابات الرئاسة في موعدها، من دون ان يحدّد كيف تكون تهيئة الظروف، هل للضغط باتجاه حكومة سياسية، يُشارك فيها هو شخصياً، كممثل للبنان الصغير، في سلطة لبنان الكبير أم للعرقلة باتجاه اعتبار الأولوية انتخاب رئيس للجمهورية (مرشحاً نفسه ضمناً) لمثل هذه المهمة!

بصرف النظر عن الخطوة المرتقبة بعد غد الثلاثاء، فالرئيس ميقاتي، سيلقي بتشكيلة أو اكثر في ملعب قصر بعبدا، طالباً إصدار المراسيم، بعد ان تتضمن حكومته، تمثيلاً ميثاقياً، يسهل توقيع بعبدا، التي تكثر التكهنات حول مسار تصرف الرئيس عون، بين الحرص على حكومة تملأ الفراغ إذا حصل، واستجابته لمتطلبات السيّد باسيل في ممارسة السلطة بالأصالة والوكالة عن مسيحيي لبنان الصغير!