في الشكل، أراد «حزب الله» من طرق باب بكركي مجدداً، كسر الجليد مع البطريركية المارونية من باب «المعايدة»، بعد سلسلة تهجّمات على سيد الصرح. إلّا أنّ هدف هذه الزيارة أبعد من المعايدة، تماماً كما أنّ فتح باب الحوار مع بكركي أبعد من «التواصل للتواصل»، خصوصاً أنّ مواقف بكركي التي يعارضها «الحزب»، واضحة ومُعلنة ولا تراجع عنها، لا سيما منها الدعوة إلى الحياد وعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان والمقاربة الرئاسية لجهة مواصفات الرئيس والكف عن تعطيل جلسات الانتخاب.
في الشكل أيضاً، تقصّد «الحزب» إرسال وفد رفيع برئاسة رئيس مجلسه السياسي السيد ابراهيم أمين السيد لتقديم التهاني بالأعياد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أمس الأول في الصرح البطريركي في بكركي. وتكتسب هذه الزيارة أهميةً في هذا التوقيت، إذ إنّها تأتي في ظلّ الشغور الرئاسي، وبعد الخلاف العميق بين «الحزب» و»التيار الوطني الحر» إثر عقد جلسة لمجلس الوزراء، وبعد قطيعة طويلة بين بكركي و»الحزب»، تظهّرت منذ 8 سنوات مع زيارة البطريرك للأراضي المقدسة، و»انفجرت» في تموز 2020 إثر خطاب الراعي الشهير الذي دعا فيه إلى الحياد وإلى عقد مؤتمر دولي ووجّه سهامه تجاه الدويلة، ولم تتوقّف عند قضية المطران موسى الحاج.
هذه الزيارة أتت بعد عمل وسطاء بين بكركي و»الحزب» على «ترطيب» الأجواء بين الطرفين. وجرى خلال اللقاء، الحديث بـ»العموميات»، وتأكيد أنّه رغم التأزم في العلاقة، لا عداوات في لبنان بل خصومات. أمّا الطبق الأساس في اللقاء فكان الموضوع الرئاسي، وتُظهر خلاصة الحديث أنّ هناك اتفاقاً على الهدف وهو انتخاب رئيس، فيما هناك اختلاف على آلية الوصول الى هذا الهدف. فـ»الحزب» يعتبر أنّ الجلسات الانتخابية أثبتت أنّ أي فريق لا يُمكنه بمفرده أن يأتي برئيس أو حكومة، وبالتالي يجب سلوك طريق الحوار بين مختلف الكتل النيابية للتوصل إلى اتفاق على اسم، فيما الراعي، وعلى رغم أنّه يؤيّد الحوار، إلّا أنّه يعتبر أنّ تعذُّر الحوار لا يعني التعطيل، بل هناك حياة دستورية وبرلمانية ومؤسسات وانتخابات، وبالتالي على النواب «المعطّلين» أن يقوموا بدورهم على هذا المستوى، وأن يجري انتخاب رئيس من خلال عملية ديموقراطية، و»سنهنّئ الرئيس أياً كان». وبالتالي، تُعتبر هذه الزيارة بداية لتواصل رئاسيّ بين «الحزب» وبكركي، إذ أكد البطريرك خلال اللقاء، أن لا «فيتو» على أي إسم، فيما أكد «الحزب» أن لا «فيتو» على اسم قائد الجيش. وتقول مصادر قريبة من «الحزب»، إنّ هدف الزيارة «إعادة إحياء التواصل، التشاور والتوافق». أمّا على ضفة بكركي، فيقول المطران بولس صيّاح لـ»نداء الوطن»: «إنّ هذه الزيارة مبادرة مهمة، فالجميع يعلم أنّ هناك اختلافاً في وجهات النظر بين «الحزب» وبكركي، وأنّ التقارب يتطلّب أن نجلس بعضنا مع بعض، وأن يحصل تواصل ولقاءات، فهكذا يبدأ الحوار». وإذ يشير الى أنّه «في اللقاء الأوّل لا يجرى حديث عميق»، يلفت إلى «حصول بحث في قضية الرئاسة»، معتبراً أنّ «هذا الأمر جيد»، آملاً في أن يُبنى «على هذه الزيارة لكي يجري بحث أبعد ويُفعّل الحوار مع «الحزب» أكثر».
وإذ يوضح صيّاح، في ما يتعلّق بطريقة تفعيل الحوار واستكمال الزيارة، أنّه «لم يحصل اتفاق على ذلك بعد، لكن أي طريقة قابلة للبحث»، تفيد معلومات أنّه من المرجح استئناف الحوار عبر لجنة التواصل بين بكركي و»الحزب».
أمّا في الأهداف غير المعلنة للزيارة، فحاول «حزب الله» عبر إعادة التواصل مع بكركي، أن يظهر أنّه «لا يكسر» المسيحيين، خصوصاً في الموضوع الرئاسي، وأن يبرهن أنّ علاقته ليست متوترة مع كلّ الأطراف المسيحية، خصوصاً بعد الخلاف الأخير مع «التيار» وخلافه الدائم مع حزب «القوات اللبنانية»، فهو تخطّى الخلاف مع بكركي وبادر إلى زيارتها. الى ذلك، تعتبر جهات مسيحية معارضة، أنّ «حزب الله» يحاول أن يفتح حوارات يبعث من خلالها رسائل ضمنية، ومن بينها رسائل متبادلة بينه وبين رئيس «التيار» النائب جبران باسيل، فكما يفتح باسيل قنوات اتصال مع بعض القوى السياسية ليقول لـ»الحزب» إنّه قادر على أن يتحرّك بعيداً من «شمسيته»، كذلك يوجّه «الحزب» رسالة إلى باسيل من بكركي بأنّ لديه مساحة مسيحية قادر على أن يتحرّك فيها من دون أن يكون رئيس «التيار» المعبر والممرّ إليها.
لكن حراك «الحزب» هذا سقفه محدود، فهو يتحرّك في الوقت الضائع ويذهب في اتجاه حوارات لكي يُعطي انطباعاً بأنّه حريص على انتخاب رئيس ولا يتحمّل استمرارية الشغور بل يريد إخراج الاستحقاق من عنق الزجاجة، فيما أنّ هذا غير صحيح، لأنّ «الحزب» يحجز الاستحقاق الرئاسي ويمنع عقد جلسات انتخابية مفتوحة، فالحريص على انتخاب رئيس يخرج من دعم مرشح من 8 آذار ويبدأ بالبحث الجدي عن رئيس بمواصفات المرحلة وموازين القوى التي أفرزتها الانتخابات. وطالما أنّ «حزب الله» لا يزال على موقفه رئاسياً، سبيقى الوضع على ما هو عليه، بحسب المصادر نفسها. وبالتالي إنّ زيارة بكركي انتهت قبل أن تبدأ، خصوصاً أنّ هناك مقاربتين مختلفتين بين البطريركية و»الحزب»، ليس فقط على المستوى الرئاسي بل على المستوى الوطني، بدءاً من الحياد وليس انتهاء بالمؤتمر الدولي وما بينهما قيام دولة فعلية.