Site icon IMLebanon

«الحزب» أمام خيارات صعبة

«حزب الله» يخشى أن يصوَّر انسحابه من سوريا بأنه هزيمة وفشل لخيار كانت كلفته كبيرة عليه وعلى لبنان، ولكن في المقابل إنّ كلفة استمراره في سوريا ستكون كارثية عليه وعلى لبنان في ظل التطورات الميدانية المتسارعة.

لم يعد ينفع تجاهل الواقع العسكري الميداني الذي لا يبدو، هذه المرة، انه يدخل في سياق الكرّ والفرّ، بل يندرج في إطار التراجع المتواصل لقوات النظام مقابل التقدّم الثابت لتشكيلات المعارضة.

وأمّا التلويح بدخول «الحشد الشعبي» إلى سوريا أو قوات إيرانية وغيرها لردّ الاعتبار العسكري للنظام فلا يقدّم ولا يؤخّر، لأنّ هذا «الحشد»، على سبيل المثال، عجز أساساً عن السيطرة على «تكريت» لولا المساعدة الأميركية، وعجز عن وقف تمدّد «داعش».

وبالتالي، هو غير قادر على إرساء التوازن في العراق فكيف بالحري في سوريا؟ وأيّ مساعدة للنظام من خلال إرسال قوات شيعية هدفها فقط حماية المناطق العلوية.

وفي موازاة انسحاب النظام إلى حدود دويلته العلوية، عمد ويعمد إلى تسليم المناطق التي ينسحب منها إلى «داعش» في محاولة لإشعال الصراع بين هذا التنظيم وبين «النصرة» و«جيش فتح» وغيرهما، وذلك لتخفيف الضغط العسكري على جيشه ومناطقه، وتوجيه رسائله القديمة-الجديدة إلى الغرب بأنه الأفضل بين الخيارين المتصارعَين «داعش» و»النصرة». ولكن في الواقع، باتت سوريا، حتى إشعار آخر، خاضعة لنفوذ ثلاث قوى أساسية.

ويبدو أنّ توجّه التشكيلات المعارضة السورية في المرحلة المقبلة هو إسقاط دمشق وحمص من أجل إقفال آخر متنفّس للنظام، حيث أنّ عَزله يساهم في تسريع التسوية وعلى حسابه، لأنّ ما يرفضه اليوم سيقبل به غداً، ولكن خطورة هذه المسألة تكمن في أنّ «حزب الله» هو من يَتكفّل السهر على منع إقفال آخر معبر حدودي بوجهه ووجه النظام. وبالتالي، فإنّ المواجهة الفعلية ستكون معه، الأمر الذي ستترتّب عليه انعكاسات خطيرة على لبنان، لأنّ المواجهة ستكون على حدوده.

فالخطر هذه المرة انتقل من استجلاب «حزب الله» الإرهاب إلى لبنان بفِعل تدخّله في سوريا، إلى استجلاب القوات السورية المعارضة المنطمة لمقاتلته في لبنان، وإذا صَحّت دعوة السيّد نصرالله للبنانيين من أجل تحييد بلدهم والقتال في سوريا، فإنها لا تصحّ على السوريين الذين يتحجّجون بدخول الحزب لبلدهم وسَعيهم لمقاتلته في لبنان.

وهذا لا يعني أنّ الحرب المقبلة بين الحزب والتشكيلات السورية حاصلة غداً، ولكنّ المنحى العسكري للأمور يؤشّر إلى حتمية حصولها عاجلاً أم آجلاً، خصوصاً في حال تواصلت انهيارات النظام السوري وآخرها اللواء 52، وعجزت إيران عن إعادة التوازن إلى المشهد العسكري.

والتحدي الأساس في هذا السياق هو سيف ذو حدّين، فإذا تضامن لبنان مع «حزب الله» تتحوّل المواجهة إلى سورية-لبنانية وتعني بالحدّ الأدنى انتقال الحرب السورية إلى لبنان، وفي حال النأي بالنفس عن الحزب ستكون المناطق اللبنانية معرّضة لاحتلال سوري من نوع آخر بحجّة أنّ تدخّل الحزب في سوريا يتيح لهذه الجماعات التدخّل في لبنان، ما يعني الانزلاق نحو الفوضى والحرب الأهلية مجدداً.

ومن هذا المنطلق الحلّ الوحيد يكمن في الآتي:

أولاً، انسحاب «حزب الله» من سوريا لقطع الطريق أمام كل الذرائع المتّصلة بتواجده على الأرض السورية وترجيحه كفّة فريق على الآخر.

ثانياً، يتولى الجيش اللبناني وحده حماية الحدود اللبنانية-السورية، فلبنان غير معنيّ بهوية الجهة الموجودة على حدوده، ولكنه لن يسمح بتجاوز هذه الحدود.

ثالثاً، يتكفّل الرئيس سعد الحريري، في حال انسحاب الحزب من سوريا، بانتزاع تعهّد سعودي-تركي-قطري بعدم انتهاك السيادة اللبنانية. ومن يظن أنّ التشكيلات السورية المعارضة وتحديداً «النصرة» و»جيش الإسلام» تتحركان من دون أفق وعمق إقليميين فهو مخطئ، وبالتالي الأمور مرشّحة لأن تكون تحت السيطرة في حال نأى لبنان بنفسه فعلياً عن الصراع السوري.

رابعاً، لبنان غير معنيّ بالصراع السوري سوى من زاوية تدخّل «حزب الله»، فيما لا أهداف للمعارضة السورية على أنواعها في لبنان في حال انسحاب الحزب، فضلاً عن وجود تقاطع دولي-إقليمي على ضرورة حمايته وترسيخ استقراره.

خامساً، الصراع الدولي-الإقليمي هو على الأرض السورية والعراقية، ولا نيّة لأيّ طرف دولي وإقليمي بنقل هذا الصراع إلى لبنان، إلّا في حال واصلَ «حزب الله» تدخّله السوري.

وعليه، هل يعيد «حزب الله» حساباته وخياراته وينسحب من سوريا قبل فوات الأوان ودخول لبنان في المحظور؟ وأيّ قيمة لقتاله بعد انكفاء النظام إلى حدود دويلته العلوية؟ وهل يتصوّر أنه قادر على توفير العمق اللبناني للدويلة العلوية؟

وهل يعتقد انّ هذه الدولة قابلة للحياة وانّ السنّة سيتركون للعلويين فرصة تقسيم سوريا؟ وألا يظن انّ الدينامية السورية المعارضة لن تتوقف عند حدود المناطق العلوية، وانّ السبيل الوحيد لوقفها هو التسليم بحتمية نهاية النظام؟ وماذا لو لم ينسحب «حزب الله» من سوريا؟ وما تداعيات عدم انسحابه على لبنان؟

لقد دخلت المنطقة في مرحلة جديدة مبدئياً، وخيارات «حزب الله» محدودة باثنين، إمّا توريط لبنان ودخول الحزب في مواجهة على قاعدة «يا قاتل يا مقتول»، وإمّا الانسحاب من سوريا وتحييد لبنان والحفاظ على مكامن قوّته بانتظار التسوية الموعودة. فحماية لبنان لن تتأمن إلّا بانسحاب الحزب من سوريا. وحماية الحزب تكون من حماية لبنان. ولكن أيّ تداعيات على الحزب في حال سقوط النظام في سوريا؟