IMLebanon

“حزب الله” وانفعاله على تضييق المصارف محاذير اهتزاز الاقتصاد لا تقلّ عن الأمن

غلب انفعال قوي على موقف “حزب الله” من التعميم الذي أصدره مصرف لبنان التزاما لقانون العقوبات الذي صدر عن الكونغرس الاميركي، ويتناول التضييق على أرصدة الحزب وكل المتصلين به. وهذا الانفعال العالي النبرة في حق المصارف اللبنانية، ولو انه بدا اعتراضا على سياسة اميركا حياله على نحو قد يرمي كرة أي أزمة يتعرض لها لبنان في ملعبها بطريقة ما شكّل مؤشرا لنجاح وسيلة الضغط التي اعتمدت ازاءه، بدليل رد الفعل عليها، علما ان الاجراءات لم تكن مفاجئة وكانت مرتقبة في ضوء اعداد مسبق لها في الداخل وصل الى حدود التواصل مع الاميركيين لهذه الغاية على أكثر من مستوى. وقد يفهم من ذلك ان اجراءات مماثلة كانت ستكون أكثر فاعلية لو اعتمدتها الدول العربية إزاء “حزب الله”، باعتباره المسؤول عن تردي هذه العلاقات، على رغم اختلاف القدرة في مسألة مماثلة بين الولايات المتحدة وهذه الدول، بدلا من ان يطاول العقاب علاقات لبنان التاريخية بهذه الدول، خصوصا ان مردودها اذا طالت الازمة هو ترك لبنان ساحة مريحة لإيران ونفوذها، بما قد يصعب على الدول العربية إصلاحه بعد وقت طويل. ويدرج مراقبون سياسيون رد فعل الحزب في اطار الانفعال، انطلاقا من انه وجّه تهديداته الى المصرف المركزي، فيما يعلم جيدا أن المصارف تشكل إحدى أبرز ركائز الاستقرار اللبناني الذي تعتبر المحافظة على الامن ركيزته الاخرى. وقد جهد الحزب خلال السنتين الماضيتين من عمر الشغور الرئاسي، كما منذ بدء الحرب في سوريا، لعدم إتاحة المجال لخربطة الوضع الامني، لحاجته الى الاستقرار نتيجة انخراطه في الحرب السورية، ثم لأن خربطة الاستقرار قد تتيح المجال أمام تغيير في الستاتيكو السياسي في البلد لا يرغب فيه الحزب راهنا، ولا يضطره مثلا للذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية.

يقول المراقبون إن الاهتزاز الاقتصادي في حال فتح مواجهة مع المصارف ستكون له المفاعيل نفسها للاهتزاز الامني. وكان واضحا ان لبنان لا يستسهل القانون الاميركي ولا انعكاساته، ولذلك أوفد بعثات عدة الى واشنطن التي عاد منها الزوار اللبنانيون بمن فيهم وزير المال علي الخليل بانطباع أن واشنطن حريصة على استقرار لبنان، لكن بدا مؤكدا انه لن يسهل أحد على لبنان تنفيذ هذا القانون. وثمة أمر آخر يدركه الحزب ويعبر عنه المسؤولون الايرانيون من خلال القول إن الاتفاق النووي لم يتح للمصارف الاوروبية والاميركية أن تتعامل مع إيران حتى الآن، وهذه الاخيرة تشكو ذلك على قاعدة انها تنتظر تسييل رفع العقوبات بما يأتي بنتيجة مفيدة لاقتصادها. ولا تقتصر مواقف المسؤولين الايرانيين على فئة من دون أخرى، أي بين الاصلاحيين والمتشددين، بل إن مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي يشكو أيضا عدم الانفتاح على نحو كاف على إيران بما يفك الضيق الذي لا تزال تعيشه اقتصاديا. وبهذا المعنى، لا يمكن الحزب ان يذهب نقيض ما تسعى اليه ايران، أي فك الحظر على مصارفها، من خلال تعريضه المصارف اللبنانية لخطر حظر مماثل على رغم استهدافه هو بالعقوبات، وهنا المفارقة التي شكلها رفع العقوبات عن طهران من دون شمول الحزب بالاجراء نفسه، فيما هو محسوب على ايران. ولعلّ ذلك يمكن ان يدخل في إطار مفاوضات أخرى لاحقة مع طهران قد تتناول الوضع في المنطقة، ومن ضمنها موضوع الحزب.

كما لا يمكن ان يسمح لاي اهتزاز اقتصادي بأن يدفع بذريعة انتخاب رئيس للجمهورية مثلا، في الوقت الذي لا تزال هذه الورقة فاعلة. يضاف الى ذلك ان الوضع المالي صعب. الا ان اياً من الدول الصديقة لا يسمع اليوم بلبنان، لا ايران – باستثناء ما خص الحزب وتقوية موقعه ازاء الحرب في سوريا – ولا المملكة السعودية ولا الولايات المتحدة، فيما الجميع مهتم بالمحافظة على الاستقرار من دون أن يريد أحد من هؤلاء شيئا من لبنان باستثناء ذلك. وفي هذا الوقت لا يكترث الطاقم السياسي في لبنان بالوضع المالي، ولا يشكل هذا الاخير اي وسيلة للضغط عليه من اجل تغيير ادائه في ظل تقاسم للساحة السياسية برز واضحا في جولتين حتى الآن من الانتخابات البلدية والاختيارية، فإذا سنحت الظروف ليستخدم أي اهتزاز اقتصادي مدخلا للرئاسة فقد يكون أفضل من الذريعة الامنية، بحيث يكون التهديد الذي أطلقه الحزب ممهدا لذلك. في حين انه لا يعتقد ان الظروف متاحة لمثل هذا التطور راهنا. يضاف الى ذلك ان الحزب لن يخاطر، وفق اعتقاد المراقبين أنفسهم، بتحمل انهيار وضع مالي صعب ايضا، فيما يرزح تحت ارتدادات التضييق الخليجي على اللبنانيين وعلى مؤيديه من الطائفة الشيعية ايضا، الى جانب ما يترتب من انعكاسات على تدخله في سوريا على لبنان.

ولهذه الاعتبارات، تنفي مصادر معنية إمكان وجود متغيرات تفضي الى ذلك راهنا، خصوصا ان اي اهتزاز اقتصادي يمكن ان يحرج ايران في توقيت صعب، علما ان اللعبة السياسية مستقرة في هذه الآونة ولم تؤثر عليها في الاشهر الماضية انتفاضة من المجتمع المدني ولا اتهامات بالفساد اخيرا، على نحو يوحي أنه اذا مرت الانتخابات البلدية في جولتيها الاخيرتين كما الجولتين السابقتين، فإنه سيتأكد أكثر أن أحدا من اللاعبين السياسيين ليس في وارد تغيير قواعد اللعبة السياسية.