قبل عام، في الذكرى الـ 15 لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي، كان تنظيم “داعش” الهمّ الأول للأمين العام لـ”حزب الله”، وخصّص خطاب المناسبة للتحذير من أنّ “أوّل ضحايا “داعش” و”جبهة النصرة” في لبنان هو تيار “المستقبل” وقادتُه ونوّابه”، ولم يقل ذلك حرصاً على هؤلاء بل لينتقل الى تحذير مسيحيي لبنان: “هل إنّ مواقفَ 14 آذار ستَحميكم من الذَبحِ والسبي وتضمَن سلامة كنائسِكم؟”، مستخلصاً أنّ “المعركة ضد المشروع التكفيري هي معركة وجود، وفي معارك الوجود تؤجّل المعارك الأخرى”، لكنه مع ذلك أبدى الاستعداد لضمان الآخرين “في حال انتصر نظام الرئيس الأسد” (؟).
ورغم تناغم “التيار العوني” وزعيمه مع هذا التخويف، إلا أن الواقع المعاش أظهر أن طبيعة المجتمع اللبناني وتركيبته وكذلك المؤسسات المتبقّية في البلد (الجيش والأمن) – وليس “تفاهم” حسن نصرالله وميشال عون – هي التي أبقت “الحال الداعشية” المفترضة في الحجم الأدنى. وإذا كان من خشية لدى المجتمع والمؤسسات فهي من أجندة “حزب الله” المناقضة لمصلحة لبنان. فـ “داعش” عدوٌ خطير تخشاه وتحاربه، أما “الحزب” فبلغ خطره على جمهوره/ “طائفته” أولاً، وعلى كل الطوائف تالياً، حد استحالة محاربته أو لجم تهوّره.
لم يتغيّر شيء خلال عام، وقريباً ستتزامن الذكرى الـ 16 لـ “التحرير” مع الذكرى الثانية للعجز والتعجيز عن انتخاب رئيس للجمهورية، لأن نصرالله قال إن “المعارك الأخرى” مؤجّلة، فهو لا يزال ينتظر إعلان “انتصار” الاسد وايران ليحصل على استسلام خصومه في لبنان. وهذه فرضية يستخدمها لمواصلة “بروباغندا” تبرير دوره في سوريا، لكنه يتناسى جملة حقائق لا يستطيع حزبه ولا ايران ولا الاسد أن يغيّروها في لبنان، أو أن يفرضوا حقائق بديلة بمجرّد الإرغام المسلّح. كان “حزب الله” استهلك عامين من الفراغ الرئاسي متمسّكاً، من قبيل “الوفاء” (!)، بمرشح وحيد: ميشال عون أو لا رئيس آخر. هذا لا يحدث إلا في ديكتاتورية مثل “سوريا – الاسد” أو “عراق – صدام – نوري المالكي”. وعندما أصبح لـ “الحزب” مرشحان من أنصاره انكشفت حقيقة أن لديه تعليمات أسدية – ايرانية بعدم انتخاب رئيس. لكن الأكثر فظاعة الآن أن المرشحَين نفسيهما مذعنان لـ “التعليمات” ولا يريدان رئيساً، أي أنهما مرشحان فقط لمنع انتخاب رئيس…
السيناريو نفسه يدور الآن في سوريا، فالاميركي والروسي قالا إنهما استوحيا “الحل الايراني” لصوغ القرار 2254 كمرجعية لمفاوضات جنيف. ولم تتطابق الصيغة مع أهداف “الحلّ” كما بنتها طهران على قاعدتين: استمرار القتال، وبقاء الاسد في منصبه. فالهدنة كما التفاوض على صيغة جديدة للحكم يهدّدان حليف الايرانيين ومصالحهم، لذلك عملوا مع النظام ويعملون على إفشالهما، وما الهجوم الوحشي على حلب سوى تمديد للصراع، وبالتالي تأجيل لـ “انتصار” الاسد وايران و… “حزب الله”.