قبل إسقاط “حزب الله” حكومة الرئيس سعد الحريري في وقت كان يستعدّ لدخول مكتب الرئيس الأميركي باراك أوباما، كانت دولة قطر تحاول إقناع أمينه العام السيد حسن نصرالله بضرورة بقاء حكومته، وإغراءه بتقديم ما تحتاج إليه كي تنجح. وبعد إسقاطه حاولت قطر أيضاً إقناع نصرالله بإعادة الحريري على رأس حكومة جديدة واعدةً أنه سيتصرّف بطريقة تبقي الاستقرار اللبناني السياسي والأمني وإن هشاً. لكن جوابه كان، ودائماً استناداً إلى القريبين أنفسهم من حزبه: “أنا لم أعد أثق به. لقد أعطى الكثير من الالتزامات والوعود لكنه لم ينفِّذ أيّاً منها”. أما الآن، فان هؤلاء ينقلون عن الحزب تساؤلاً هو: “بعد مرور سنوات على إخراج الحريري من الحكم وبالطريقة المعروفة. هل كانت خطوة إسقاطه وحكومته صائبة أم لا”؟ ويجيبون: “لا نعرف. لننتظر. كان يمكن أن تبقى حكومته. لكن إجتماعات عدة عقدت بينه وبين نصرالله، وتمّ خلالها الاتفاق على تنفيذ أمور كثيرة. لكنه لم ينفِّذ أياً منها”. ويتابع هؤلاء: والده الرئيس رفيق الحريري اجتمع مع السيد حسن نصرالله مرّات كثيرة. وكان البحث بينهما معمّقاً وشمل كل الأوضاع في لبنان والمنطقة نظراً إلى الترابط بينها. وكل ما التزم “حزب الله” تنفيذه نفَّذه. وكل ما التزم به الحريري الأب نفَّذه. كان يقول للسيد حسن: “أنا وأنت البلد أي نستطيع أن نأخذه إلى وضع أفضل. وكان يقصد بذلك أن بعد الإنسحاب – الإندحار الإسرائيلي من لبنان أمام مقاومة “الحزب”، سيأتي وقت الإنسحاب العسكري السوري منه. ويجب الاستعداد لذلك”. وكان السيد حسن يردّ بسؤال: “كيف”؟ والجواب عن سؤاله كان: “بتعاوننا نحن وأنتم”. وينهي القريبون أنفسهم الكلام عن الحريري الأب والابن بالقول: إختار الرئيس الراحل حافظ الأسد الحريري رئيساً لحكومة لبنان للتعاطي بقضيتين مهمتين للبنان ولسوريا هما الوضع الإقتصادي والإنمائي في لبنان والسياسة الخارجية. واختار “حزب الله” لمقاومة إسرائيل. ويمكن القول إن الخيار كان في محله إلى حدٍّ كبير. والآن يتابع هؤلاء: لا يزال سعد الحريري الأفضل لترؤس حكومة جديدة، وخصوصاً إذا سبق ذلك تفاهم على “سلة” قضايا تريح الداخل وتمكِّن اللبنانيين من انتظار إستقرار المنطقة وإن طويلاً. وأول القضايا ملء الفراغ الرئاسي والإتفاق تفصيلاً على الحكومة وقانون الإنتخاب.
ما هي أسباب “تسريب” هذه المواقف التي اتخذت قبل سنوات وإعادة تقويمها حالياً؟
السبب الأبرز هو إدراك “الحزب” وأمينه العام السيد حسن نصرالله أن ما جرى ولا يزال يجري في المنطقة يمكن أن تعقبه مرحلة أكثر قساوة وصعوبة وعنفاً. فالحروب الداخلية لم تتوقّف على رغم “المبادرات” السلمية والأخرى العسكرية للدول الكبرى. والدول الإقليمية صاحبة المصلحة إنتقلت في صورة شبه تامة من الحرب بالإنابة أي عبر أطراف داخليين إلى الحرب المباشرة. والدول الكبرى إنتقل بعضها، وتمثّله روسيا الإتحادية، إلى الحرب المباشرة. ولا شيء يمنع نظيراتها الكبرى مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا من الإقتداء بها. كما أن انتقال الدولة الأعظم أميركا من الرفض المطلق للتدخُّل المباشر ولاسيما الأرضي إلى رعاية عمليات عسكرية كبيرة وحتى إلى الإشتراك فيها على نحو ملموس صار ممكناً. ولو كانت كل هذه الحروب خاضعة لتنسيق سابق للقائمين بها ولها أهداف محدَّدة أبرزها إطاحة الإرهاب وإعادة وضع المنطقة على طريق الإستقرار لَمَا كان هناك مبرِّر للخوف أو القلق. لكن هذا التنسيق غائب. إنطلاقاً من ذلك بادر السيد نصرالله إلى اقتراح “السلَّة” الإيجابي وكرّره. وانطلاقاً من ذلك أيضاً تلقّى الرئيس الحريري المبادرة بانفتاح. ويأمل اللبنانيون في أن لا يذهب الموقفان مثل “المياه في الرجمة” كما يقول المثل في شمالنا. إلا أن المهم الآن أن تكون المرجعيتان الإقليميتان للإثنين ولفريقيهما مستعدة لمساعدتهما على ترجمة الإيجابية أعمالاً محسوسة أو على الأقل لتركهما يعملان في حرية والإمتناع عن وضع العراقيل أمامهما. والمهم أيضاً أن تزكّي السعودية عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد لأن إرثه الشعبي لا يزال كبيراً، ولأن إيران وحلفاءها لا يقبلون أو قد لا يقبلوا وصول “مُجرَّبين” إلى السرايا الحكومية يحمِّلونهم مسؤولية تطوُّرات سلبية عدة أو غير “مجربين” معروفين إما بالتشدُّد والتطرُّف وإما بتدوير الزوايا من أجل الوصول.