هل كانت الأزمة الرئاسية في حاجة الى خارج لحلها أو حتى إلى طاولة حوار، أو انتظار حلّ كل المشكلات في المنطقة لو أن في لبنان رجال دولة يقدمون مصلحة الوطن والمواطن على اي مصلحة؟ أفما كان التقيد بأحكام الدستور كافياً للخروج من الأزمة فيعمد كل طرف الى تسمية مرشح ينافس مرشح طرف آخر وتبقى الكلمة الفصل للأكثرية النيابية؟
إن من حق “حزب الله” أن يرشح العماد ميشال عون للرئاسة الأولى وأن يتمسك بهذا الترشيح، لكن ليس من حقه أن يفرضه على الطرف الآخر ولا أن يفرضه على الأكثرية النيابية إذا لم تكن معه، ولا من حقه أن يعطل نصاب جلسة الانتخاب إذا لم يضمن فوزه. فهذا يصح في الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التي لا انتخابات فيها بل تعيين. وليس من حق الحزب ومن معه الانتقال الى البحث في أي موضوع آخر قبل انتخاب رئيس للجمهورية مثل تعديل الدستور أو اجراء انتخابات نيابية لا لشيء سوى أنه وضع تعديل الدستور أو اجراء انتخابات نيابية لا لشيء سوى أنه وضع نصب عينيه الاستيلاء على السلطة بأي طريقة من الطرق، كما فعل عندما حوّل أقلية نيابية أكثرية بقوّة الترهيب فاستطاع أن يشكل حكومة من لون واحد، وهو يحاول اليوم أن تكون له رئاسة الجمهورية باستخدام سلاح التعطيل أو باجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية علَّ نتائجها تأتي لمصلحة مرشحه الذي لا أمل له بالفوز مع المجلس النيابي الحالي وفيه أكثرية لا تؤيده.
وفي المعلومات ان “حزب الله” قد يقبل في نهاية المطاف وبعد إلحاق ضرر كبير بمصلحة الوطن والمواطن لطول مدّة الشغور الرئاسي بمرشح توافقي شرط أن يتعهد الابقاء على سلاحه ما دام لبنان مهدداً من اسرائيل… أو أن يكون قانون الانتخابات النيابية الجديد مقبولاً منه كي يضمن الفوز له ولحلفائه بالأكثرية النيابية فيستطيع من خلالها التحكم في تشكيل الحكومات وتقرير مصير المشاريع في مجلس النواب وافتعال الأزمات، وهذا من شأنه أن يشكّل ضمناً وصاية ايرانية غير مباشرة على لبنان قد تكون أكثر قبولاً لدى بعض اللبنانيين من وصاية مباشرة كتلك التي أخضعت سوريا لبنان لها.
لذلك فإن قانون الانتخاب الجديد قد لا يتمّ التوصل الى إقراره بسهولة إذا كان كل طرف يريد أن يكون على قياسه، فتوضع البلاد عندئذ بين خيارين: إما استمرار التمديد لمجلس النواب اذا ظل الاتفاق متعذراً على قانون جديد للانتخاب، وإما القبول بقانون يكون حتى في مصلحة طرف لتجنب الاستمرار في التمديد.
الواقع أن ما يهم “حزب الله” من الآن حتى إشعار آخر هو أن يظلّ محتفظاً بسلاحه ما دامت الظروف تقضي بذلك، وهو مستعد لتأييد أي مرشح للرئاسة إذا تعهد ذلك، أو اذا سلَّم له الطرف الآخر بانتخاب رئيس للجمهورية يثق به ويطمئن الى سياسته ونهجه كي يقبل التخلي عن سلاحه لأنه يكون قد ضمن انتهاج السياسة التي يريد، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة أيضاً.
هل يقبل الطرف اللبناني الآخر بما يطالب به “حزب الله” ومن معه، أي التخلي عن سلاحه لرئيس جمهورية هو الذي يسميه، أو القبول بقانون للانتخاب يأتي بأكثرية نيابية له ولحلفائه بحيث يستطيع عندئذ ومن خلال هذه الأكثرية محاصرة أي رئيس للجمهورية يختاره الطرف الآخر، والتحكم بتشكيل الحكومات، وبالمشاريع المهمة التي تطرح على مجلس النواب بحيث يستعيض بهذه الأكثرية عن خسارة رئاسة الجمهورية؟
وهذا معناه أن لا سبيل الى اتفاق القادة في لبنان على أي أمر إلا اذا فُرض عليهم من الخارج جرياً على العادة. فأي رئيس سيفرضه هذا الخارج عليهم، وأي قانون للانتخابات النيابية، وأي لبنان سيكون لهم: لبنان المنحاز الى هذا المحور أو ذاك، أم لبنان عدم الانحياز ليظل هادئاً مستقراً وواحة أمن وأمان واستراحة؟
إن الجواب هو في انتظار ما ستكون عليه صورة المنطقة بعد الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وهو الاتفاق الذي سيكشف حقيقة النيات، فإما الذهاب بها الى التقاسم، وإما الى التقسيم…