لا يختلف اثنان على أن الاتفاق النووي الذي عقدته ايران مع المجتمع الدولي، ورفع عنها جميع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها بسبب برنامجها النووي العسكري، أدخل المنطقة في مرحلة جديدة كليا، ولم يوفر إيران نفسها. فالانتخابات الاخيرة التي شهدتها ايران على مستوى مجلسي “الشورى” و“الخبراء” نهاية شهر شباط الماضي، أفضت الى إطلاق مسار إعادة تكوين مراكز القوة في الحكم، على خلفية إطلاق الصراع على خلافة المرشد الحالي، بعد تأكد الأنباء عن اعتلاله. هذا المعطى جديد، وإن لم يكن يرقى الى مستوى الانقلاب، إلا انه يضيء على مرحلة تحولات كبيرة في الداخل الإيراني، وانتقال مؤكد لمركز الثقل في حكم البلاد. وليس سرا أن إيران لم تستفد بعد من نتاج رفع العقوبات عنها وإعادة أرصدتها المجمدة في الخارج. فنظام رفع العقوبات وتحرير الارصدة أكثر تعقيدا مما يُعتقد.
على مستوى المنطقة، لم يظهر تبدل ملموس في السياسة الخارجية العنيفة التي تعتمدها ايران بواسطة ذراعها التي تتبع مباشرة لسلطة المرشد السيد علي خامنئي (الحرس الثوري)، متجاوزة الحكومة القائمة والمنبثقة من الانتخابات، والرئيس حسن روحاني الذي انتخب بغالبية ساحقة من الأصوات في انتخابات مباشرة. وبدا في المرحلة الاخيرة ان هناك “إيرانين“، الاولى يقودها المرشد وماكينته الأمنية – العسكرية– الاقتصادية، والثانية تتحلق حول حكم الرئيس حسن روحاني متحالفا مع الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، ومعهم الإصلاحيون والمعتدلون. وفيما واصلت ايران “المرشد” المريض حملاتها “الثورية” خارج الحدود في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، وغزة، رفع روحاني شعار ايران “يابان الشرق” مستلهما تجربة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تحولت الى مارد اقتصادي بعدما قلبت صفحة السياسات التوسعية الامبراطورية التي أدمتها ومعها منطقة جنوب شرق آسيا.
ليس الجديد أن تظهر صورتان لإيران بعد الاتفاق النووي. الجديد ان تتظاهر صورة مناخ تغييري واسع، ربما عارم في الداخل، من شأنها في ضوء قرب غياب المرشد الحالي، أن تغلّب مسارا مغايرا قد تكون من نتائجه الاولى في مستقبل لم يعد ببعيد إطلاق مسار تصالحي بين ايران وجيرانها، لا بد من ان يؤثر مباشرة على أذرع “الحرس الثوري” في المنطقة، ومن بينها “حزب الله” في لبنان، وهو المكلف تنفيذ سياسة التدخل الإيرانية في سوريا واليمن والخليج، فضلا عن بعض بلدان افريقا حيث هناك حضور اغترابي لبناني.
ما من شك في أن “حزب الله” الذي يقاتل في سوريا دفع ثمنا باهظا مع سقوط ما يزيد على الف وخمسمئة عنصر من ميليشياته، فيما انتهت وظيفته في “مضايقة” اسرائيل من لبنان، وسط تعاظم حشد عسكري دولي لم يسبق له مثيل في المنطقة، وتقاطع أميركي – روسي حول ضمان أمن الاخيرة. ومن هنا يمكن فهم الحديث المتزايد عن طرح دور الحزب ووظيفته المستقبليين على طاولة لعبة الامم.