ما معنى أن يُعلن وفد “حزب الله” برئاسة السيد ابرهيم أمين السيد جازماً من بكركي وبالفم الملآن التمسّك بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة ورفضه طلب تنحّيه؟ أفليس هذا معناه أن الحزب لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية إنما إسقاط الجمهورية تمهيداً لإقامة جمهورية جديدة على أنقاضها وبدستور جديد بديل من دستور الطائف أو معدلاً تعديلاً جوهرياً ولا سيما في ما يتعلق بتوزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث بحيث يكون أكثر انصافاً وعدالة ومساواة بين الطوائف الثلاث الكبرى لان ايران ترى أن الطائفة الشيعية مغبونة في هذا التوزيع؟ فلو أن “حزب الله” يريد فعلاً انتخاب رئيس للجمهورية لكان نوابه نزلوا إلى مجلس النواب وخاضوا المعركة منافسين به أي مرشح آخر. لكن الحزب، على ما يبدو، يواصل تنفيذ مخطط إدخال لبنان في فراغ شامل وقاتل، فهو يكتفي بتأييد ترشيح العماد عون من جهة ويمتنع نوابه من جهة أخرى عن حضور جلسة الانتخاب لتعطيل نصابها، وتالياً تعطيل انتخاب أي مرشّح بالقول إن الحزب لن يطلب من العماد عون التخلّي عن الترشّح حتى للحليف النائب سليمان فرنجيه، ولا حتى حصر المعركة بين عون وفرنجيه لئلا يفوز أحدهما، والحزب لا يريد ذلك بل يريد إسقاط الجمهورية لتحقيق الغاية التي يسعى إليها، أو تمكين إيران من بيع ورقة الانتخابات الرئاسية برفع العقوبات عنها أو إبقاء الشغور الرئاسي إلى حين يفرض الأمر الواقع اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية وعلى أساس قانون يضمن الفوز لمرشّحي الحزب وحلفائه، فينتخب عندئذ الرئيس الذي يلائمه ويرتاح إلى سياسته. أما إذا حصل العكس فان الأكثرية النيابية التي يكون قد فاز بها الحزب وحلفاؤه كافية للتحكّم بقرارات ومواقف أي رئيس والتحكّم بتشكيل الحكومات وقراراتها وتقرير مصير المشاريع في مجلس النواب.
وإذا كان “حزب الله” قد وافق على التمديد لمجلس النواب مخالفاً حتى موقف حليفه العماد عون، فلأن الأكثرية في المجلس الحالي ليست أكثريته كي يستطيع تأمين الفوز لمرشّح مقبول منه. لذلك كان لا بد من العمل على ابقاء الشغور الرئاسي الى أن يصبح لا مفر من اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية تنفيذاً لمخطط الحزب بدافع من ايران. وإذا كان الحزب قد عاد عن تعنّته في التوصل الى تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وباشارة من ايران والقبول بتسوية سهّلت تشكيلها، فلكي تنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية ويكون الحزب قادراً ومن معه على استخدام هذه الصلاحيات وفق ما يشتهي وإلا أصبحت الحكومة مهدّدة بالسقوط، وهذا ما يعجّل في إحداث الفراغ الشامل الذي تخشاه قوى 14 آذار فتضطر الى تقديم مزيد من التنازلات إرضاء للحزب وتجنباً لسقوط لبنان في فراغ قاتل. وإذا كان الكلام قد عاد حول وجوب تفعيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب فان هذا يؤشر الى أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور بل انتخابات نيابية قد تأتي نتائجها لمصلحة الحزب وحلفائه فيكون له عندئذ حكم كل السلطات والمؤسسات في لبنان. ولبلوغ ذلك، فان “حزب الله” سيخيّر قوى 14 آذار بين القبول بقانون للانتخاب يؤمن للحزب ولحلفائه الأكثرية أو مواجهة الفراغ الشامل في كل المؤسسات…
والسؤال المطروح هو: كيف على قوى 14 آذار أن ترد على مخطط “حزب الله” وايران، لا بل كيف ينبغي أن يرد الأقطاب الموارنة الأربعة على هذا المخطّط الرهيب الذي يبقي رئاسة الجمهورية شاغرة إلى أجل غير معروف؟
إن الرد الدستوري والديموقراطي يكون بدعوة النواب المقاطعين لحضور جلسة انتخاب الرئيس تأميناً للنصاب بصرف النظر عن موقف “حزب الله” وأجندته الاقليمية. وتأمين النصاب يتم بقرار يصدر عن العماد عون بدعوة نواب “تكتل التغيير والاصلاح” الى حضور الجلسة ودعوة النائب سليمان فرنجيه ونوابه أيضاً الى حضورها لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً لما نص عليه الدستور وما يقضي به النظام الديموقراطي. هذا إذا كان القادة ولا سيما منهم الموارنة يريدون أن يبقى لبنان أكبر من كل زعيم وأكبر من كل حزب وكل طائفة، وإلا تحمّل عون وفرنجيه تحديداً، إذا ما استمرا في مقاطعة جلسات الانتخاب، مسؤولية تمكين “حزب الله” من تنفيذ أجندته الاقليمية ولو على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين وحتى على حساب مصلحة ما تبقّى من الوجود المسيحي في المنطقة ولا سيما في لبنان… إلا إذا كان مطلوباً تصغير لبنان لتصغر أزماته الداخلية والخارجية لأن تكبيره كبَّر هذه الأزمات.