كالعادة بثّت عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت حيوية متوقّعة، حافزة ومثيرة للآمال، ليس في أوساط جمهوره فحسب بل حتى في صفوف الجمهور المقابل الذي يصعب الاعتقاد بأنه مرتاح الى التعطيل الذي فرضه “حزب الله” على الدولة والحكومة والمؤسسات. ولا في أي مكان أو زمان يمكن الجمود أن يكون خياراً مجدياً لطرف على حساب طرف، بل إنه وصفة الخراب للجميع في كل مكان وزمان. وليست عند الحريري حلول جاهزة يفرضها بالترهيب والسلاح، لكنه يتيح لـ “حزب الله” وحليفه العوني فرصة التوقف عن الاستثمار في انقسامات البلد وفي الدم السوري للحصول على مكاسب يدّعونها ولا يستحقونها، قياساً الى النهج المتهوّر الذي يديران به أزمة الأمر الواقع التي افتعلاها.
لم يعد البلد لغزاً، أو عقدة مستعصية، إلا في رؤوس مَن بنوا أوهاماً ويريدون تحقيقها. لا أحد يستطيع الحصول على أكثر مما له، ولا أحد يستطيع الحكم عبر الإخلال بالتعايش، ولا فئة تستطيع التجبّر والاستئثار. ولا حتى “حزب الله” يستطيع أن يجني شيئاً من استكباره على الآخرين، وحريٌ به أن يقرأ جيداً مشهد “البيال” العابر للطوائف والتيارات، اذ عبّر مرّة اخرى عن لبنان بتوافقات الأشخاص وخلافاتهم، لكن خصوصاً بإرادة العيش المشترك التي لا ينفكّ “الحزب” يعمل على تدميرها، وقد عصيت قبله على وصاية النظام السوري وبالتأكيد ستعصى معه على وصاية النظام الايراني، لا لشيء بل لأنها الحقيقة الثابتة للبلد. واذا كابر “الحزب” في تجاهل هذه الحقيقة فلينصت جيداً الى ما قاله أسيراه في شريط كارول معلوف. لم يكونا تحت ضغط، ولم يلقّنا ما أفاضا في شرحه بلا أي تحفّظ.
ولعل أنصع حقائق تلك الحقيقة أن الحريري لم يعاند لفرض رئيس بعينه على المسيحيين وبالتالي على اللبنانيين، ثم انه لا يخشى التصويت لرئيس من الفريق الخصم وإنْ لم يختره بقناعته ومشاعره. أما حسن نصرالله فانتقل من محاولة فرض مرشحه الى الخشية من وجود أي رئيس، ولو كان من فريقه، لماذا؟ لأنه يخسر اذا انحاز الرئيس اليه واحترق لبنانياً، ومثال اميل لحود لا يزال حيّاً، ويخسر اذا وقف الرئيس على مسافة واحدة من اللبنانيين، وهذا متوقّع، بل هذا واجبه.
في ثلاثة مواقف لمسؤولين اسرائيليين، خلال الأيام الأخيرة، يتبيّن تطابق التمنيات الاسرائيلية مع تلك الايرانية والروسية بالنسبة الى سوريا المقسّمة دويلات أو أقاليم. ولا في أي مناسبة أكد “حزب الله” رفضه أي مساومة على جغرافية لبنان، أو استعداده للدفاع عنها، بل إنه موافق مسبقاً على ما تريده ايران، وفي ظنّه أنها لا تقرر سوى الصواب، ولأنه صار أسير سلاحه فهو يحلم بأن يبقى هذا السلاح “عامل توازن” ايراني – اسرائيلي، ولذلك فهو يفضّل رئيساً أسيراً لهذا السلاح.