IMLebanon

“الحزب” يتغاضى عن “إغارات” رموز في “المستقبل” “لأن الحوار مصلحة كبرى وينبغي إنجاحه”

الى أي مدى يستطيع “حزب الله” التغاضي عن “الاغارات” الكلامية التي تأتيه دوماً من الثلاثي: الرئيس فؤاد السنيورة والوزير أشرف ريفي والنائب أحمد فتفت؟ واستطراداً الى أي مدى يمكن الحزب ان يجمع بين حوار يوشك ان يدخل شهره الثالث مع تيار “المستقبل” وبين الصخب المتعالي على هامش المشهد الحواري المنتظم تحت بصر الرئاسة الثانية ورعايتها في عين التينة مرة كل عشرة أيام تقريباً؟

لا ريب في أن “حزب الله” على بيّنة من ان هذه الهجمات التي تستعير لغة ومفردات عهد ما قبل انطلاق قاطرة الحوار، تأتي ضمن سياق معدّ سلفاً من مطلقيها، فهي على سبيل المثال:

– تأتي غداة جلسة من الجلسات الحوارية وعقب ما يصدر عنها من بيان، واستتباعاً من مناخات وأجواء تعكس أمرين اثنين: الاولى تقدم في نقاش الملفات، والثاني اصرار على المضي قدماً في الحوار.

– ان هذه الهجمات السياسية والإعلامية من الثلاثي إياه تأتي بشكل منسق، حتى ليبدو وكأنه توزيع ادوار إن لجهة مادة الهجوم وإن لجهة مكان وزمان اطلاقها. فالرئيس السنيورة يقصد الى صيدا لتكون المهمة الموكولة اليه تحميل الحزب وحليفه العماد ميشال عون تبعة اعاقة انتخاب رئيس جديد وطي صفحة الشغور الرئاسي.

ويتكفل الوزير ريفي من طرابلس بالعودة الى نغمة مطالبة الحزب بالخروج عاجلاً من الميدان السوري المشتعل، مذكراً إياه بأنه سيندم ساعة لا مندم نتيجة ايغاله في هذا الميدان.

أما النائب فتفت فهو يتنكب من بيروت مهمة التقليل من شأن الحوار نفسه والتركيز على مقولة ان الحزب “لن يعطينا اي شيء يعتد به”، كما التصويب على الدور الرعائي للرئيس نبيه بري للحوار ووصمه بأنه غير مؤهل لهذا الدور وانه زعيم ميليشيا، وهو ما اضطر الرئيس بري الى الرد عليه مباشرة وبمصطلحات تخرج عن مألوف تصريحات رئيس المجلس بعدما كان أوكل مهمة الرد سابقاً الى النائب علي بزي.

ومن خلال ما تقدم يمكن الحزب وجمهوره ومن والاه سياسياً ان يستنتجوا الآتي:

– ان الأمر ينطوي على توزيع متقن للادوار بين اركان “التيار الأزرق” لجهة الحوار مع الحزب، فممثلو هذا التيار الثلاثة يواصلون جلوسهم وجهاً لوجه مع ممثلي الحزب، فيما الثلاثي المتشدد في التيار عينه لا يكف عن استخدام لغة موروثة من زمن الشرخ الحاد والقطيعة الكلية، الأمر الذي من شأنه ان يوحي بأن “المستقبل” يقيم على ازدواجية معايير حيال الحوار ونتائجه المتوخاة.

– وما يزيد الأمر ريبة الكلام الذي اطلقه الرئيس سعد الحريري في “البيال” أخيراً، والذي ما برحت اصداؤه تتردد حتى الآن، خصوصاً أن الحريري العائد بعد طول غياب طوعي أصر على اعتبار ان الحوار مسألة ربط نزاع ليس الا، تفرضه ضرورة التهدئة، وان ذلك لا يبيح له التغاضي عن اداء الحزب في مرحلة ما قبل الحوار ولا يمحو الاخطاء التي اقترفها. وسواء صح التحليل القائل بأن “التيار الأزرق” يعتمد سياسة الاصوات المتمايزة من داخله ام ان للامر بعداً آخر، فإن السؤال المطروح هو: لماذا يقابل الحزب الموقف بالاعتصام بالصمت؟

الاجابة عند من يعلم في الحزب ان الأخير ينطلق في هذا السلوك من تقدير للموقف ومن استشراف للرهانات والحسابات التي يعقدها على ديمومة الحوار، وأبرز معالم هذا التقدير:

– ان زعيم “التيار الازرق” هو من عقد العزم على المضي قدماً في الحوار، والمعطيات المتوافرة تشير الى ان ليس في خاطره ان يصرم حبله فجأة وذلك لأكثر من سبب.

– ان الحزب على بيّنة واقتناع بأن ثمة أكثر من منزل في “بيت المستقبل”، وبالتالي لا بد للحزب من دفع اثمان لكي يعزز موقف المقبلين على الحوار من هذا البيت ولا يعطي الفرصة للكارهين والمعرقلين لكي ينالوا مبتغاهم.

– وليس أدل على ذلك من الكلام الأخير لسيد الحزب السيد حسن نصرالله، والذي دعا فيه من يعنيهم الأمر الى عدم الاكتراث بما قيل من على المنابر، لأن خلف جدر اللقاءات كلام آخر ومناخات مختلفة.

– ان للحوار عند الحزب أولوية ومصلحة كونه يهدئ الساحة التي يتضرر من اي اضطراب قد يعتريها ومن اي انفتاح على عوالم فتنوية، وفي ذهنه صور من اشكالات قبيل انطلاق الحوار أوشكت ان تضع البلاد على شفا الانفجار.

وبناء على كل هذه الاعتبارات يقابل الحزب الهجمات المتكررة عليه بفضيلة الصمت ضمن نهج مقدّر يركز على أمرين:

الأول – الصمت التام حيال أجواء الحوار والامتناع عن أي خوض في تفاصيله اعلامياً.

والثاني – تأكيد أهمية الحوار وديمومته في كل موقف يطلقه اي رمز من رموز الحزب، حتى بات الأمر بمثابة لازمة. وعموماً أن للحزب موقفاً ضمنياً بدأ يتبلور وفحواه ان مرحلة ما بعد الحوار هي غير ما قبلها، وهذا ما يوجب عليه اعطاءه كل ما يلزم من فرص لانجاحه حتى لو اقتضى ذلك العض على الجراح أحياناً كثيرة، وبالتالي ادارة الأذن الصماء لتهجمات عليه تأتيه من هنا أو هنالك.