لم يفت الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في تقديم الصدى الايجابي الذي حظيت به العملية التي شنها الحزب ضد دورية اسرائيلية في مزارع شبعا الاربعاء الماضي القول ان “المقاومة قيل عن عمليتها ذكية وبارعة ومهنية ومحترفة”، بالتزامن مع ما اثاره اعلانه ان الحزب لم يعد يتقيد بقواعد الاشتباك مع اسرائيل من قلق من ان يكون عنى بذلك عدم التزامه بعد الآن القرار 1701 علما ان انطلاق الصواريخ من الخيام او الوزاني في اتجاه دورية اسرائيلية في مزارع شبعا يعني ان الحزب خرق القرار، ولو قال المسؤولون اللبنانيون غير ذلك باعتبار ان الدورية قصفت من منطقة وجود القوة الدولية.
لكن من اعتبر العملية ذكية وبارعة ومحترفة انما بنى تقديراته على معطيات واضحة ان لجهة اختيار المكان التي وقعت فيها اي مزارع شبعا المختلف عليها والملتبسة ملكيتها على الصعيد الدولي في حين يقول لبنان الرسمي بانها تعود اليه مما دفع برئيس مجلس النواب نبيه بري وفق ما نقل عنه الى الدفاع عن العملية بانها لم تخرق القرار 1701 (يترجم ذلك احراجا في حال العكس كما حرصا على استمرار التمسك بالقرار) فيما ادرجها النائب وليد جنبلاط في اطار شرعي كونها حصلت في مزارع شبعا التي لم تحسم ملكيتها بعد. فهناك اعتبارات تمنع الحزب من الرد من الجولان المحتل علما ان عناصره استهدفت هناك مع الجنرال الايراني خصوصاً في ظل استمرار النظام السوري في بيع امن اسرائيل عبر الجولان على ما قال بشار الاسد في حديثه الاخير لمجلة “الفورين افيرز” انه لم تطلق رصاصة واحدة من الجولان خلال 40 عاما. والرد من لبنان على عملية حصلت في الجولان حصرها الحزب في مزارع شبعا ولو اطلق الصواريخ من الجنوب. كما ان الاشادة بالعملية استندت الى حسن تقدير الحزب حجمها بحيث لا يحتمل ان تثير رد فعل عسكرياً من جانب اسرائيل. وفي هذه النقطة الاخيرة كانت ثمة متابعة دقيقة على المستويين السياسي والديبلوماسي لطبيعة العملية العسكرية وماهيتها من حيث انها لم تؤد الى سقوط ضحايا كثر هم مجموع الدورية الاسرائيلية انطلاقاً من ان إصابة ما يقارب العشرة مثلاً كانت ستعتبر خرقاً يستدعي رداً عسكرياً إسرائيلياً حتمياً كما لم يخطف اي جندي اسرائيلي كان سيندرج في الاطار الاخير نفسه. ما يعني وفق المنطق الدفاعي الرسمي اللبناني ان الحزب التزم قواعد الاشتباك اذا كانت تعني القرار 1701 فيما كان هذا الخرق لو ان العملية حصلت خارج المزارع سيثير رد فعل محرجاً ومرتبكاً من أفرقاء حلفاء له في الداخل أيضاً وجدوا في عملية مزارع شبعا براعة كونها حصلت تحت سقف القرار 1701. وتالياً لم تكن العملية لتتمتع “بالذكاء والمهنية والبراعة” في حال كانت شكلت خرقاً بالمفهوم اللبناني للقرار 1701 او لو انها تسببت بحرب كبيرة، ذلك علماً ان احداً لا يعتقد ان وجود القرار 1701 سيشكل عائقاً فعلياً لا لدى اسرائيل ولا لدى الحزب في حال كان ثمة قرار او مصلحة لدى اي منهما بالذهاب الى الحرب. فكل منهما سيجد المبررات الكافية لذلك في ظل استمرار العمليات الامنية الاستخباراتية بين اسرائيل والحزب وايران أيضاً وبينها والولايات المتحدة وايران والحزب من جهة اخرى وفق ما كشفت “الواشنطن بوست” من آخر التسريبات عن عملية اغتيال القائد في الحزب عماد مغنية.
وقد كان لتبادل كل من الحزب واسرائيل عبر قيادة القوة الدولية في الجنوب تطمينات بعدم رغبة اي منهما في اي تصعيد بعد عملية مزارع شبعا اثر مهم وفق المصادر السياسية في رفع الامين العام سقف خطابه جنباً الى جنب مع المساندة من مسؤولين ايرانيين حضروا الى بيروت بحيث كان الخطاب بمثابة تغطية لرد سياسي مزدوج. لذلك المقلق اكثر في موازاة اعلان الامين العام للحزب عدم التزام حزبه قواعد الاشتباك (ما يثير تساؤلات اذا كان سيستمر في الحصول على تغطية رسمية لبنانية التي يستهين بها السيد نصرالله ويتجاوزها)، الربط الذي احدثه مع الساحة السورية وصولاً الى الجولان المحتل من جهة والرعاية الايرانية المباشرة لمواجهة ايران إسرائيل عبر لبنان والتي خرجت الى العلن اكثر من اي وقت سابق من جهة اخرى والتي تزامنت مع وصول مسؤولين امنيين ايرانيين عبروا عبر وجودهم في بيروت غداة عملية مزارع شبعا عن امتلاكهم لبنان ومستقبله ورقة في ايديهم وليس الجنوب فحسب. والجانب الآخر تمثل في الجزء الذي حظي بانتقادات كبيرة من خلال ما اعتبره كثر “اهانة مباشرة للحوار” القائم بين الحزب وتيار المستقبل. وهذه العبارة هي للنائب مروان حماده في كلمة في الذكرى الاولى لاغتيال الدكتور محمد شطح التي اقامها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بادارة الدكتور طارق متري تختصر ما اعتمل من استياء من استهانة بالحوار متى كان محصورا بالبحث في ازالة صور عند نفق سليم سلام مثلا فيما الرصاص والقذائف الصاروخية استباحت سماء بيروت من دون اي رادع ما يطرح اسئلة جدية اذا كان ثمة جدوى من الحوار ان لم يكن محتما اعادة جدولة اعماله.