تحت شعار حماية حقوق المسيحيين التي يخوض معركتها “التيار الوطني الحر”، من اجل إيصال رئيسه الى سدة الرئاسة وتمديد سن التقاعد للضباط لتأخير تسريح العميد شامل روكز بعدما تعذر تعيينه قائداً للجيش، طارت حقوق اللبنانيين بحل يرفع النفايات من أمام بيوتهم، فيما سيتعذر على جزء كبير منهم ممن هم في القطاع العام قبض رواتبهم بسبب نفاد الاعتمادات المالية لدولة مهددة ربما للمرة الأولى بإشهار إفلاسها.
إذا كان الكلام على خطر الإفلاس المالي قائما في ظل التعطيل القسري الذي تشهده الحكومة، فقد سبق ذلك إشهار الإفلاس السياسي الذي اكتملت فصوله أول من أمس على طاولة مجلس الوزراء، بعدما تحولت من مكان لاتخاذ القرارات التي تسيّر عمل المؤسسات ومصالح الناس، إلى حلبة مصارعة ومزايدة في الدفاع عن الحقوق الطائفية.
قد يكون رئيس الحكومة الطرف الوحيد الذي بقي خارج هذه الحلبة رغم ما طاله من سهام، مستفيدا من طول صبره وقدرته الاحتوائية، وذلك في إطار سعيه الى منع انفجار حكومته، في ظل الأمل بأن يكون لمسلسل التعطيل نهاية تسبق نهاية الحكومة، آخر المؤسسات الدستورية القائمة.
لم تخدم جرعات الدعم التي يتلقاها سلام يوميا من الاوساط العربية والدولية في تفعيل العمل الحكومي، بل اختصرت مهمتها بمنع الحكومة من السقوط. وقد بدا ذلك جلياً في الاداء الوزاري أمس، إذ ظلت النقاشات على حدتها تحت سقف الاستقرار الذي يظلل الوضع الحكومي.
حتى الكلام الجميل والداعم الذي سمعه سلام من رئيس الوزراء الاردني عبد الله النسور وقبله من وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في زيارته لبيروت، عكس الحدود التي يقف عندها الدعم، والذي يبرز في مكان ما اعترافا دولياً ضمنياً بتعذر إنجاز الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور، مما يجعل الحكومة عامل الاستقرار الاوحد القائم حالياً.
ولكن ماذا بعد الجلسة الحكومية الصاخبة؟ وهل الفشل الذريع الذي سجلته بفعل تعذر طرح أي بند ملح على طاولة البحث يشي بأن الحكومة دخلت مرحلة الموت السريري في انتظار تسوية ما تعيدها إلى الحياة؟
ليس في المعلومات المتوافرة ما يدعو إلى التفاؤل بإمكان عقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء. ويتريث سلام في توجيه الدعوة الى جلسة الاسبوع المقبل، وهو يجري عملية تقويم لخلاصات الجلسة الاخيرة.
وفي حين تعتقد مصادر وزارية مطلعة أن سلام كان يترقب إطلالة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله لتلمس التوجه الفعلي للحزب، تشير إلى أن قراره في شأن الجلسة لا يزال رهنا بعاملين أساسيين:
– موقف الحزب من الحكومة ولا سيما لجهة ترجمة الوعود البراقة التي اطلقها وزير الخارجية الايراني من باب السرايا الحكومية حيال دعم الاستقرار والسلام والتنويه برئيس الحكومة.
– التشاور مع رئيس المجلس نبيه بري في شأن الخطوات المقبلة، وهو ما فسر استمهال سلام لوزير المال علي حسن خليل عندما راجعه في شأن مسألة الرواتب والاجور.
في الاوساط السنية وعي أن حملة عون على سلام لا تستهدف الحكومة أو تحصيل حقوق المسيحيين بقدر ما تستهدف تعزيز وضعية عون في الشارع المسيحي. ولوزير بارز في الحكومة قول إنه “لا تقوم زعامة مسيحية الا على حساب الهجوم على السنّة”، في إشارة منه إلى عنوان هجوم عون على الحكومة، الذي لا يوفر في حيز كبير منه رئيس المجلس نبيه بري لدوافع أخرى.
وعليه، لا تستبعد المصادر، ربطاً بصمت رئيس الحكومة وامتناعه عن الرد على الوزراء في جلسة مجلس الوزراء، أن يكون هذا الصمت مدخلاً إلى تعاطٍ حازم في الجلسة المقبلة، أيا كان موعدها الاسبوع المقبل أو بعده. إذ يكون سلام قد أمهل الحكومة وقتا لتنفيس الاحتقان، ليستعيد المبادرة في طرح الملفات الملحة واتخاذ القرارات في شأنها.
وتؤكد المصادر أن سلام لم يعد في وارد الاستقالة، وهو قال ذلك صراحة في عمان أمام الجالية اللبنانية هناك عندما أكد أنه لن يتخلى عن مهمته “مهما كلف الامر”.
أما عون الذي يستمد قوته التعطيلية من “حزب الله” وليس من قواعده الشعبية وحجمه التمثيلي، فسيكون محرجا في رفضه اتخاذ القرارات التي تلامس القضايا الحياتية الملحة لهذه القواعد من ضمن شرائح الشعب اللبناني.
وفي حين يوفر الحزب الدعم السياسي المطلق لعون، فهو لن يفرط في رأي المصادر بأمرين: الحكومة والملفات الملحة التي يريد تسييرها. وبالتالي فإن إنتاجية الحكومة ستكون رهن استنسابية الحزب في اختيار الملفات التي يرغب في إقرارها.