ما إن دخل وقف إطلاق النار حيِّز التنفيذ حتى شرع “حزب الله” بفرض استراتيجية الانسلاخ عن الوقائع، معلناً انتصاره، متجاهلاً استمرار التعنت الإسرائيلي وحرية حركته، المتمدّد بنيرانه وتهديداته وفرض أوامره على أهالي القرى التي يسيطر عليها، فيمنع عودتهم ويحدد مواقيت تجوالهم.
وكأن الحزب الممعن في إنكاره نتائج الميدان وخسارته أمام الشيطان الأصغر، لا هم له إلا فلسفة الهزيمة، لتحويلها بمعادلة كيميائية مجهولة العناصر إلى نشوة مريضة بافتعال الفرح والفخر على وجوه الذين وقفوا على أطلال البيوت والأبنية والقرى، ليتغنوا بالكرامة والعنفوان، ويتباهوا بسعادتهم ويرفعوا شارة النصر.
وكالعادة، يجب أن تكون المبايعة عمياء خرساء. ممنوع قراءة الاتفاق الذي يفرض حصرية السلاح بالقوات الأمنية والعسكرية الرسمية اللبنانية في جنوب لبنان، ويحظر استيراده إلا تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية، وينص على تفكيك المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة وجميع البنى التحتية والمواقع العسكرية.
ذلك أن أي كلام غير تكريس الانتصار على الركام والدماء هو كفر بائن، وتحديداً في صفوف العائدين إلى قراهم ومدنهم وضاحيتهم.
فخسارة الميدان يمكن تداركها، وكذلك تدارك مفاعيل ما يحصل على الجبهة السورية، حيث بدأ الانقلاب على وجود إيران وأذرعها بغطاء ودعم دولي، على ما يبدو.
حتى خسارة تأييد شرائح واسعة من اللبنانيين لا تشكل الخطر الأعظم، لأن التركيبة السياسية اللبنانية مطاطة وتتسع لكافة أنواع التناقضات انطلاقاً من معادلة المحاصصة وتقاسم السلطة والتستر على “الأعدقاء” تطبيقاً لمبدأ الفساد المتبادل.
لكن البلاء الأعظم والداء الذي لا دواء له، يتعلق باحتمال خسارة “الحزب” شيعته. فهذه الخسارة لا يمكن تدارك عواقبها، لذا غلب مشهد غرائبي نافر، بالطبع بعيداً عن أماكن توغل العدو الإسرائيلي في قرى الجنوب، سواء عبر إطلاق النار العشوائي في الضاحية الجنوبية المنكوبة، او بمسيرات الدراجات النارية في شوارع “بيروت الغربية”، أو بمظاهرة “شيعة.. شيعة” المستوردة من مرحلة تقويض انتفاضة تشرين الأول 2019.
لكن هل ستنفع استراتيجية “الحزب” الجديدة/ القديمة؟ هل يمكنه الاستمرار في الاستهتار بعقول أولاد بيئته؟؟
هل تفيد هذه المبالغة في استعراض القوة ليس بمواجهة إسرائيل، ولكن لإقناع البيئة الحاضنة بأن لا شيء تغيّر؟؟
أم أن “الحزب” المدرك إفلاسه خائف، ويبذل جهده حالياً ليستعيد جمهوره حوله؟؟
ربما الاحتمال الأخير هو الأصح، وتحديداً لأن القرار الدولي يقضي بعدم تمكين “الحزب” من إعادة بناء قدرات عسكرية.
وبما انه أعجز من الاعتراف أمام بيئته بواقعه المستجد بعد خساراته المتراكمة…
لذا لم يعد يملك إلا استنهاض الهمم، ليس بتذكير أبناء بيئته بأن طائفتهم ساهمت بتأسيس الكيان اللبناني إلى جانب الطوائف الأخرى، ولديها كفاءات وكادرات قادرة على المشاركة في إنقاذ لبنان، وإنما بإعادتهم إلى أنشطة يرمي من خلالها إلى تكريس حالة الاستقواء الغوغائية عبر هتافات “شيعة.. شيعة”..