أظهرت جريمة خطف باسكال سليمان، منسق حزب «القوات اللبنانية» في قضاء جبيل، هشاشة الواقع الأمني والمؤسساتي الذي وصلته البلاد. فلا أمن استباقياً ولا أجهزة أمنية ولا تدابير متخذة على امتداد الطرق الجبلية والساحلية حيث يمكن لأي مجرم أو سارق أن يصول ويجول، في سيارة مسروقة مسبقاً، أو يسرقها غبّ الطلب والحاجة، ويقودها إلى كل الأنحاء، من دون خشية من رقيب أو حسيب.
وأظهرت الجريمة للمرة الألف هشاشة الواقع السياسي والاجتماعي. فالبلد منقسم ومشرذم، وفي وعي سكانه، أو جزء كبير منهم، إن غيرهم قادر بالسلاح والتسلط أن يرتكب ما يريد، من دون أن يتعرض للمساءلة، فيما هم الذين يحترمون القانون ويحتكمون إليه، لا ينالهم سوى الاحباط والقهر.
في مناخ كهذا، لا عجب أن تكثر الاجتهادات والتأويلات والاتهامات والفبركات، والحصيلة مزيد من الانقسام الأهلي والعودة إلى عصبيات امتحنت واكتُشف مردودها.
لقد انتبه حزب «القوات اللبنانية» منذ اللحظة الأولى إلى خطورة الحادثة، والآراء والتأويلات التي سترافقها، فحرص على الانضباط وانتظار التحقيقات وعودة سليمان سالماً. وهذا تصرف ينم عن استشعار عالٍ بالمسؤولية، ليس فقط تجاه المخطوف، وإنما تجاه البلد وسكانه، خصوصاً أبناء بلاد جبيل على مختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والسياسية. لكن هذا الاحساس بالمسؤولية لا يكفي وحده لوضع حدّ للجرائم واستعادة سلطة القانون. فالجميع مسؤول عن الوصول إلى حالة الاهتراء الراهنة، وعليه تقع مسؤولية تغييرها في الاتجاه الذي يضمن استعادة دولة المؤسسات، بدءاً من إنهاء الشغور الرئاسي وصولاً إلى توطيد سلطة القضاء المستقل، ومروراً بتعزيز الجيش وقوى الأمن وإجراء الانتخابات البلدية… وباختصار، عمل كل ما يلزم لإعادة بناء الدولة السيدة الوحيدة على أرضها.
وبديهي أن ذلك لن يحصل مع قوى تعتبر الرئاسة تعييناً والقضاء سلعةً «للقبع» والجيش ملحقاً يقوم بأعمال الإغاثة. والأولوية الآن، وفي كل أوان، هي عودة المخطوف إلى عائلته وحزبه، وكشف كل الوقائع المتعلقة بجريمة الخطف، لاستخلاص الدروس في كيفية متابعة السعي لإيجاد تلك الدولة المفقودة.