حوّلت قضية خطف منسّق «القوات اللبنانية» في قضاء جبيل باسكال سليمان الأنظار عن الملفات الأخرى. وشهدت المناطق الجبيلية ومحيطها غلياناً شعبياً كبيراً وحالة استنفار. وأصرّ حزب «القوات اللبنانية» على التصعيد السلمي وعدم الانجرار إلى موجات العنف ونزل الدكتور سمير جعجع ليل أمس الأول إلى الأرض متخطياً كل المخاطر الأمنية، ومؤكّداً متابعة القضية حتى النهاية.
شكّل خطف سليمان ضربة لهيبة الدولة، وليس لـ»القوات اللبنانية» وأهالي جبيل وحدهم. ورغم محاولة بعض جمهور «الممانعة» الغمز من قناة خرق «القوات» في عقر دارها بصرف النظر عن الفاعل وأهدافه وخلفياته، إلا أنّ الجميع يعلم أنّ هذه المنطقة هي تحت سلطة الدولة اللبنانية بالكامل، وليس هناك أي وجود أمني لـ»القوات» على الأرض. والناس يُسلّمون أمرهم للدولة، ولم يلجأوا إلى الأمن الذاتي.
وتعتبر منطقة جبيل استراتيجية بالنسبة إلى «القوات اللبنانية»، ففي أيام الحرب كانت مقرّاً لإقامة الدكتور جعجع ومقاتلي الشمال والأطراف في ميفوق- القطارة. وتشكّل همزة وصل بين جبل لبنان ذي الأغلبية المسيحية، وبين الشمال المسيحي الذي يعتبر خزان «القوات اللبنانية».
منذ خروج جعجع من المعتقل، وهو يعطي جبيل أهمية كبيرة، وتدفع هذه المنطقة الضرائب للدولة بنسبة عالية جداً باستثناء بعض من يستقوي بقوى «الأمر الواقع»، في حين كانت هناك أصوات تتعالى وتطالب الجيش بتكثيف النقاط الأمنية داخل جبيل والشمال المسيحي المتمثّل بأقضية البترون وبشرّي والكورة وزغرتا.
بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حاول النائب جبران باسيل نقل حاجز المدفون التاريخي من مكانه الحالي إلى نقطة قرب سدّ المسيلحة ونفق شكا، لكن قيادة الجيش رفضت هذا الاقتراح. ويتميّز هذا الحاجز بموقعه الاستراتيجي ويفصل الشمال عن جبل لبنان، ولا يستطيع من يدخل إلى الشمال ويغادر منه ساحلاً إلّا العبور به. ويبدو واضحاً غياب حواجز الجيش اللبناني على طول الأوتوستراد من بيروت وصولاً إلى طرابلس باستثناء المدفون، لكنّ أصحاب السوابق والعصابات يعلمون بإمكانية سلوك طريق عمشيت للتوجّه إلى وسط وجرد البترون ومتابعة السير من دون المرور بأي حاجز.
محطات عدّة طالب فيها أهالي الشمال المسيحي بوضع نقاط عسكرية دائمة للجيش، فمن يسلك الخطّ الساحلي من مدينة البترون يمرّ بساحل الكورة من دون وجود نقاط أمنية، وكذلك يمكن المرور من مدينة البترون صعوداً إلى شكا وأميون وكوسبا من دون وجود أي نقطة للجيش. وتعتبر منطقة البترون التي تتوسّط محافظات جبل لبنان والشمال والبقاع من دون نقطة أمنية، خصوصاً في تنورين التي لها حدود مع هذه المحافظات.
مطبّات أمنية مرّت بها منطقة الشمال المسيحي ولم يحصل انتشار أمني كما يتمنّى الناس، فمن مواجهات الكورة السياسية والدموية السابقة، إلى حادثة كفتون التي سقط خلالها شهداء من أبناء البلدة واتهمت جماعات إرهابية بالضلوع فيها، وصولاً إلى الانفلاش السوري الكبير والمشاكل المتنقلة، التي حصلت أخيراً في مزيارة وبشرّي والبترون، وكان آخرها منذ 3 أيام، كلها عوامل لم تدفع المعنيين إلى دعم الجيش ليشكّل درع أمان للأهالي.
إنّ من يتعاطى الشأن العسكري، يعلم أنّ الأمن سياسي في الدرجة الأولى، ومن ثمّ إستخباراتي، لكن وجود نقاط عسكرية، خصوصاً بين جبيل ووسط وجرد البترون وبشرّي والكورة وزغرتا يجعل العصابات تفكّر مئة مرّة قبل القيام بأي عمل ويطمئن الأهالي، فمن أقدم على خطف باسكال سليمان درس الطرقات جيداً، واكتشف الثغر الأمنية، فنفّذ عمليته في وضح النهار من دون حسيب أو رقيب.
يتضامن أهالي الشمال والجبل مع الجيش ويعلمون ثقل المهمات الملقاة على عاتقه والوضع الاقتصادي الذي ضرب أفراد المؤسسة العسكرية، لكنهم يعتبرون الجيش دائماً مصدر ثقة ويطالبون بإقامة نقاط عسكرية في عمق منطقتهم، وليس على الأطراف، لكي لا يبقى التنقل سهلاً على العصابات ويستطيع أي كان الوصول إلى البقاع أو عكار من دون حسيب أو رقيب، وهذه المسؤولية تقع على عاتق كل الأجهزة وليس الجيش وحده.
قد تكون حادثة اختطاف منسق «القوات» في جبيل جرس إنذار للجميع لكي يدرك خطورة الأزمة، فالجيش يحاول القيام بكل ما يستطيع ويقدّم الشهداء في مواجهة عصابات الخطف والإجرام، لكن، هناك دور على البلديات والمجتمع المحلي القيام به، في حين يجب إعادة التفكير في طريقة التعامل مع الانفلاش السوري داخل المناطق واتخاذ خطوات رادعة من الأهالي والبلديات والدولة، فإذا لم يكن السوري وحده هو المخطط لعملية خطف سليمان، فالأكيد أنه المنفّذ، وهذا ما يظهر من خلال تحقيقات مخابرات الجيش، وقد يستخدم في الصراعات الداخلية، من هنا يجب التحرّك سريعاً على الأرض لضبط المخططين والمنفذين أياً تكن الأهداف والغايات.