IMLebanon

رواية تحريك الفتنة وكشف الخاطفين

 

شكّل مقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان، نهاية دراماتيكية لعملية اختطافه ووضعت جميع المعنيين، خصوصا الجهة التي ينتمي إليها، أمام تحدي التصرف بمسؤولية وضبط الانفعالات تفاديا للمحظور.

عند كل خرق أمني، تتبدّى هشاشة الاستقرار الداخلي المترنح الذي لم يعد معروفاً كم يستطيع الصمود بعد أمام «اللكمات» التي يتعرّض لها، وسط شيوع «موضة» الاستثمار لكل اهتزاز طارئ من أجل شدّ العصب او خدمة مصالح سياسية.

 

وقد كشفت تداعيات اختطاف سليمان التي انتهت بمقتله، مرة أخرى، هزالة الواقع اللبناني الذي يقف على «صوص ونقطة»، وأظهرت انّ البلد برمته بات يقيم على فوهة بركان محتقن، قابل للانفجار بفعل اي شرارة امنية.

واذا كان انكشاف هوية معظم الخاطفين قد قلص هوامش استثمار الجريمة ضد طرف داخلي، الا ان هناك من يصر على التصرف وفق قاعدة عنزة ولو طارت، بمعزل عن الحقيقة المثبتة بالوقائع.

 

والى جانب محاذير التحريض المحموم داخليا، فإن الخشية الان هي من فتنة أوسع بين لبنانيين وسوريين، بحيث يمكن أن يذهب الصالح بجريرة الطالح، الأمر الذي يستدعي من جهة ضبطا للنفوس المشحونة وهذه مسؤولية القيادات، ويتطلب من جهة أخرى تشددا في معاقبة مرتكبي عملية الخطف والقتل منعا لأي تأويلات.

 

والغريب انّ كثيراً من الجهات الداخلية لا تتعلّم من التجارب السابقة وتصرّ على تكرار الأخطاء نفسها، فتبادر عند وقوع اي حدث حساس الى حرق المراحل وشحن النفوس وتوجيه الإتهامات ثم إطلاق الأحكام المسبقة، من دون أي تقدير لعواقبها.

والأخطر في هذه المرحلة، انّ اي حادثة أصبحت تؤدي تلقائياً إلى استخراج كل «القيح» السياسي والطائفي المعتمل في بعض النفوس، ما يؤجج الاحتقان ويرفع منسوب الخطاب الانفعالي الذي وصل بعد خطف سليمان إلى درجة المناداة بخيارات انقلابية من نوع الأمن الذاتي.

 

واللافت انّ مواقع التواصل الاجتماعي تحولت مسرحاً لـ «ميني» حرب أهلية، لا تزال محصورة حتى الآن ضمن نطاق العالم الافتراضي، لكنها قد تنتقل الى أرض الواقع ما لم يتمّ التسلّح بالحكمة.

 

وبدل ان تكون منطقة جبيل المتنوعة والمختلطة التي ينتمي إليها المخطوف حافزاً لاعتماد مقاربة عقلانية لما حصل على قاعدة حماية أحد نماذج التعايش وعدم الانجرار الى الفتنة، إذا بالاصوات النافرة تلجأ الى التحريض والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور خلافا لـ«تراث» المنطقة ومزاجها.

 

والأسوأ، هو انّ شخصيات سياسية انساقت في أكثر الأوقات حساسية وحراجة خلف المتحمسين والمتهورين في بيئتها، عوضاً عن ان تتولّى هي قيادتهم وضبط إيقاعهم، حتى بدا وكأننا أمام حفلة زجل ومزايدات.

 

والمفارقة أنّ بين المنادين بتحييد لبنان عن حرب مدمّرة مع الكيان الاسرائيلي، من يستسهل عند أي خضة داخلية التلويح بحرب أهلية أشدّ تدميراً، كذلك هناك بين رافعي شعار التمسك بالدولة من يستسهل المطالبة بالانفكاك عنها في لحظة.

 

ولعلّ مبادرة قيادة الجيش امس الى الاعلان تباعاً عن توقيف معظم السوريين المشاركين في عملية الخطف، انما رمت في الدرجة الأولى الى سحب فتيل الفتنة وتبريد الأرض قبل تفلتها، علماً انّ هذا الاعلان للجيش أتى قبل ساعات من اتضاح مقتل سليمان على يد خاطفيه، في إشارة واضحة الى انّ الهدف الأساسي منه كان احتواء التداعيات المتدحرجة.

 

وضمن سياق نفي الفرضيات «المفخخة»، أكّدت مصادر أمنية رسمية لـ«الجمهورية»، انّ الثابتة الأكيدة هي انّ عملية خطف سليمان وقتله لا تحمل أبعاداً سياسية وليست لأي حزب داخلي علاقة بها. ورجحت المصادر ان تكون العصابة التي خطفته قبل ان تقتله متخصصة في جرائم الابتزاز المالي وسرقات السيارات، «وهي ربما لم تكن على علم بالموقع الذي يشغله سليمان في «القوات اللبنانية».

 

وكشفت المصادر انّ الموقوفين السوريين لدى مخابرات الجيش والمتورطين في الجريمة تربطهم صلات قربى مع شركائهم الآخرين الذين لا يزالون قيد الملاحقة، موضحةً انّ ضمن الموقوفين أشخاص أساسيين في المجموعة التي تولّت تنفيذ الخطف على الأرض، كذلك تمّ ضبط السيارة المستخدمة في العملية.

 

ولم تستبعد المصادر احتمال ان يكون بعض الأشخاص اللبنانيين متواطئاً مع الخاطفين، ومستفيداً من غلّة السرقة والابتزاز، كغيرها من حالات حصلت في فترة سابقة، لافتة إلى انّ التحقيقات ستبين كل الحقائق.

 

واشارت المصادر إلى أنّ الجيش كان المبادر الأول الى كشف خيوط الجريمة، وتولت مديرية المخابرات التحقيقات في شكل اساسي في هذا الملف بالتعاون مع الاجهزة الأخرى، كلٌ في نطاق اختصاصه. واوضحت المصادر، انّه تمّت الاستفادة من تسجيلات كاميرات المراقبة ومحتوى التواصل بين المتورطين، لتوقيف معظمهم، وتظهير الصورة الحقيقية لما جرى.