Site icon IMLebanon

الممر الإلزامي الإيراني للرئيس اللبناني!

أهم ما في زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى لبنان٬ أنها بدت للبعض وكأن مصر قررت استئناف تحركها كدولة عربية محورية فوق الخريطة الدبلوماسية العربية٬ لكن المستهجن أن زيارات المسؤولين الذين يصلون إلى بيروت منذ عامين باتت تشّكل عند اللبنانيين الغارقين في الفراغ الرئاسي٬ منطلًقا لتفسيرات مضحكة ­ مبكية٬ ولكأن رئيس الجمهورية العتيد سيصل في حقيبة وزير الخارجية المصري٬ أو أنه كان سيخرج مثلاً من قبعة فرنسوا هولاند الذي زار بيروت مرتين.

هكذا سقطت كل التفسيرات الهامشية التي تحدثت نهاية الأسبوع الماضي٬ عن مبادرة مصرية لحل الأزمة الرئاسية في لبنان٬ ولم يكن سامح شكري أصلاً في حاجة إلى توضيح الواضح٬ عندما استعمل لاءات ثلاث ليقول٬ أن ليس للقاهرة أي مرشح للرئاسة «لا تفضيل ولا توجيه ولا تدخل»٬ ربما لأنه يعرف تماًما أن هناك ثلاث لاءات لبنانية تقفل الأبواب على أي حل لأزمة الفراغ المتمادية التي تضرب الدولة من رئاسة الجمهورية إلى آخر المؤسسات وهي:

أولاً ­ لا تفاهم على احترام الأصول الديمقراطية والنزول إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس٬ والدليل أنه تم حتى الآن عقد 44 جلسة نيابية لم يكتمل فيها النصاب٬ بسبب إصرار جماعة 8 آذار على التغّيب٬ في ظل هرطقة سياسية تقول إن تعطيل النصاب النيابي حق دستوري بينما تأمين هذا النصاب هو واجب دستوري على النائب.

ثانًيا ­ لا تفاهم على مواصفات المرشح التوافقي الذي يقبله الجميع٬ لأن في حسابات إيران و«حزب الله» وجماعة 8 آذار٬ أن التدخل في سوريا وغيرها من مواقع الصراع في العراق واليمن مثلاً٬ وكذلك حرية التصرف داخل لبنان٬ هما أفضل في دولة يحكمها التعطيل وفي غياب رئيس يعيد لملمة شتات هذه الدولة ويعيد لها حقها في السعي إلى ضبط تصرفات القوى اللبنانية على قواعد المصلحة الوطنية.

ثالًثا ­ لا انتخاب لرئيس لبناني في ظل الحسابات الإيرانية المتعّسرة في اليمن والعراق وسوريا٬ ذلك أن طهران التي كانت تقول إنها باتت تحكم أربع عواصم عربية٬ صارت تدرك الآن مثلاً أنها لا تحكم صنعاء التي تتقدم شرعية عبد ربه هادي منصور لتحريرها من تحالف الانقلابيين الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح٬ الذين تسلّحهم طهران وتزّودهم صواريخ تعترف صراحة أنها تستهدف الأراضي السعودية.

وصارت تدرك أيًضا أنها لا تحكم دمشق التي كادت تسقط في سبتمبر (أيلول) الماضي لولا التدخل الروسي عندما باتت اللاذقية مهددة٬ وهي لن تحكمها أبًدا بعدما فتحت قاعدة همدان» العسكرية أمام القاذفات الروسية البعيدة المدى٬ وذلك بعد التطورات الدراماتيكية العسكرية الأخيرة في حلب٬ التي توحي بأن الحرب طويلة وأن الأمر في سوريا لم يعد لطهران بل أصبح كلًيا لموسكو.

العراقيين وفي مقدمهم نوري المالكي٬ وكذلك في ظل مواقف مقتدى الصدر٬ الثائر على فساد السلطة العراقية التي يديرها الإيرانيون٬ ثم عندما يصبح تحرير الموصل مثلاً أيضا صارت طهران تدرك جيًدا أنها لن تتمكن من حكم بغداد في ظل الكلام الصريح والواضح٬ الذي يقوله المرجع الشيعي السيد علي السيستاني٬ عن فساد رجال طهران منوًطا فعلاً بالتعاون مع أميركا وبالاعتماد على قوات البيشمركة٬ في وقت تتعمق الشكاوى من تجاوزات «الحشد الشعبي» الذي تريده طهران رديًفا للجيش٬ عند كل هذا من الواضح جًدا أنه من المستحيل أن يستمر أو يبقى حكم إيران لبغداد.

كل هذا يقودنا إلى سؤال حتمي: إذن لماذا تسّهل إيران انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية التي تقع في براثن الفراغ والفوضى بما يسمح لـ«حزب الله» أن يتصرف كسلطة مستقلة القرار والخيار أو كدويلة داخل الدولة كما يقال عادة٬ وهل فعلاً من مصلحة طهران والحزب انتخاب رئيس للجمهورية يعمل على إعادة لملمة هيبة الدولة وقواها وقوانينها.

على خلفية كل هذا تهاوت في الأسبوعين الماضيين كل الأوهام التي أوحت بإمكان التوصل إلى انفراج يحل عقدة الفراغ الرئاسي في لبنان٬ التي تراوح منذ أشهر عند السؤال: إذا كان «حزب الله» يقف أمام حليفين له مرشحان للرئاسة هما الجنرال ميشال عون الذي طالما قال السيد حسن نصر الله إنه مرشحه٬ والنائب سليمان فرنجية الذي قال عنه نصر الله إنه مثل عينيه٬ فما الذي يمنع نوابه وحلفاءه من النزول إلى مجلس النواب وتأمين النصاب المطلوب وانتخاب رئيس جديد من 8 آذار؟

طبًعا لا حاجة إلى البحث عن أجوبة في ظل الواقع الإقليمي المشتعل٬ الذي ينعكس على الحسابات الإيرانية تحديًدا٬ التي ترى أن التراخي المتصاعد لقبضتها في صنعاء  وبغداد ودمشق٬ يفرض عليها بالتأكيد التأني في لبنان والإمساك بحرية التحرك والتصرف على الساحة اللبنانية٬ على الأقل إلى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في حساباتها ورهاناتها من اليمن إلى العراق إلى سوريا.

وهكذا عندما أعلن السيد حسن نصر الله في الذكرى العاشرة لنهاية حرب تموز الإسرائيلية على لبنان عام ٬2006 أنه لا يقبل بأنُيكسر أي من حلفائه على الإطلاق «وأقول لهم أنتم مخطئون لن تستطيعوا أن تكسروا الجنرال عون أو تعزلوه٬ وإنه ممر إلزامي لانتخابات الرئاسة لتعود الحكومة منتجة وفاعلة» بدا الكلام مفاجًئا للبنانيين:

أولا لأن ليس هناك من يحاول عزل أو كسر عون٬ إلا إذا كان الإصرار على عدم تأمين النصاب النيابي هو العصا التي تستعمل لهذا ومعروف من يستعملها٬ وثانًيا عندما يوحي بأن عون أصبح الممر الإلزامي لعودة الرئيس سعد الحريري إلى السرايا٬ فإن ذلك يعني صراحة أن لا عون سيصل إلى رئاسة الجمهورية ولا الحريري سيصل إلى رئاسة الحكومة٬ رغم كل ما تردد في الأسبوعين الماضيين عن أن الحريري قد ينقل ترشيحه الرئاسي من خانة فرنجية ليمشي بعون!

يعرف الحريري جيًدا أن الممر الإلزامي قد يتحّول نفًقا مسدوًدا في وجهه فور انتخاب عون رئيًسا٬ فليس هناك من يضمن تسميته في الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة٬ ثم إن «تيار المستقبل» أجرى استطلاًعا الأسبوع الماضي حول إمكان تأييد عون٬ فتبين أن غالبية نوابه ضد هذا الخيار الذي وصفه نصر الله بأنه كسر لعون٬ لكنه موقف سياسي محسوب وخصوًصا مع وجود مرشح اسمه سليمان فرنجية!

هذا يعني أن انتقال الحريري إلى خانة عون سيقسم صفوف «تيار المستقبل»٬ ثم إنه لو تجاوز الحريري هذه العقبة وتمكن من عبور الممر الإلزامي فسيضطر في النهاية إلى تشكيل حكومة نصر الله عون وإلى السير في سياستهما٬ وعندما يقول الرئيس نبيه بري «أنا مع الحريري منذ رّشح فرنجية ظالًما أو مظلوًما»٬ فهل هذا يعني هذا في حساب «حزب الله» أن بري حليف الحزب الأقرب٬ يعمل أيًضا على كسر عون أم أن طهران في النهاية هي التي تضع الرئاسة اللبنانية في نفق الفراغ والانتظار؟