IMLebanon

عابرون..

محور إيران – روسيا في هذه الأيام يتصرف وفق قاعدة السباق مع الزمن. ويسعى بدأب وعصبية وتوتر إلى استباق التغيير في البيت الأبيض طالما أن الأمر رسا عند ترجيح فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون على خصمها الجمهوري المتشاوف بغبائه!

وذلك سباق مكسور في أساسه وسينكسر في خواتيمه طالما أن الجغرافيا أقوى من الزمن! وطالما أن الديموغرافيا أقوى من العابثين بها! وطالما أن المعادلة المعتمدة تعاني من خلل مركزي كبير وخطير: تسعى إلى البناء على رمل، وترسيخ معطيات ثابتة وفق سياسات متحوّلة ومربوطة برموز شخصية عابرة أكثر من كونها وليدة استراتيجيات دائمة.

دخل الأميركيون إلى أفغانستان وهزّوا ركائز نظام طالبان. ثم دخلوا إلى العراق ومزّقوا نسائج نظام صدام حسين.. وبرغم ثبات «النظام» الأميركي ومتطلباته الخارجية، فإن ذهاب جورج دبليو بوش إلى بيته، عنى ذهاب أهدافه الافغانية والعراقية إلى المتحف! وانكشاف واقع البلدين على مستجدات معاكسة تماماً لتلك الأهداف!

وإذا كانت تلك حال دولة هي الأكبر والأقوى على وجه الأرض وفي التاريخ، فكيف الحال مع مشروعين صادرين عن أزمتين! ومربوطين بشخصيتين تتقاطعان عند نقطة ضعف مشتركة قوامها الأنا المتضخّمة التي لا تتناسق طموحاتها الذاتية مع الوقائع والحقائق والأرقام «الموضوعية»؟!

لا «مشروع» المرشد الإيراني علي خامنئي صادر عن فائض تنمية وقوة في بلاده، بل العكس تماماً! ولا «مشروع» فلاديمير بوتين بدوره صادر عن فائض رخاء أو ريادة أو تفوّق في أي مجال يُستخدم في عالم اليوم لقياس حجم الدول ومدى اقتدارها!

بل الواقع هو أن المشروعين، الإيراني القومي المذهبي، والروسي القومي الاستعادي، يجدان في الخارج (أو يحاولان ذلك) منفذاً للهرب من انكشافهما في الداخل على أزمة كبرى، عنوانها العريض هو الفشل، وعناوينها الفرعية تطال كل شيء تقريباً، بدءاً من العزلة السياسية المنتجة لعلاقات غير سوية مع معظم دول العالم، والناتجة عنها أصلاً وصولاً إلى ضمور الاقتصاد وانخفاض قيمة النقد وتراجع مستوى العيش عند العموم في الإجمال.

والجامع المشترك الآخر عند صاحبي المشروعين هو اعتمادهما على العنف الضاري سبيلاً إلى تحقيق ما يعجزان عن تحقيقه في الداخل بالتنمية والاقتصاد والحياة السياسية السليمة، وفي الخارج بالريادة في العلم والتكنولوجيا والفن وكل شروط العصر! والأنكى (والأنكر!) من ذلك، هو أن الطرفين يذهبان إلى الكرم في لحظة نوم الناطور! ويستفيدان في تحركهما من مساحة خالية قرر الأقوى والأقدر (الأميركي) الانكفاء عنها!

بهذا المعنى يُفهم تلاقي الطرفين على مضمار السباق مع الانتخابات الرئاسية الأميركية. لكن ما لا يُفهم، تبعاً للمنظومة المحركة لطريقة تفكير خامنئي من جهة، وبوتين من جهة ثانية، هو إصرارهما على محاولة تبليط البحر! وإيجاد وقائع على الأرض في سوريا والعراق أساساً، تتناقض مع طبيعة تلك الأرض ومن عليها! مثلما تتناقض مع حقيقتين جذريتين، الأولى هي أن «نظام» البلدين متلائم مع نظام السوق الحرة والمفتوحة وليس صادراً عن مفاهيم مضادة أو معاكسة مثلما كان الحال أيام الحرب الباردة وانقسام العالم إلى محورين مختلفين جذرياً! وبالتالي فإن «ذهاب» رأسَيْ النظامين يعني «ذهاب» مشروعيهما معهما حُكماً! والثاني هو أن اندفاعهما العنيف سيصل بسرعة إلى زاوية مقفلة: إما تراجع لن يعني سوى الانكسار المزدوج خارجياً وداخلياً، وإما الذهاب إلى مواجهة كارثية يستحيل «الانتصار» فيها!