IMLebanon

“شغف” حربي بائد!

شهدت طلائع عصر الطائف في بداية التسعينات من القرن الماضي حملات موسمية للاقلاع عن استعمال المفردات الحربية والقتالية التي خلفتها ١٥ عاماً من الجولات الحربية في المعجم السياسي والاعلامي والصحافي. وباءت تلك المحاولات تباعاً بالفشل الذريع بفعل عوامل كثيرة يمكن ابراز عاملين اساسيين منها هي تمادي ممارسات الوصاية السورية في قمع الجهات المعارضة لها وترسخ الموروث الحربي الطويل في الثقافة اللبنانية العامة. وعلى رغم مرور ربع قرن على تلك الحقبة ترانا الآن أمام ظاهرة الاغراق في المعجم الحربي إياه الذي يجري اسقاطه على يوميات الازمات الراهنة وبلغة هذه الايام في ما يشبه الشغف المرضي بالتضخيم والافتعالات.

بصرف النظر عن الاصطفافات السياسية التي تملي وفق مواقع الانقسامات الداخلية معاجم خاصة بكل فريق، لا يمكن التنكر لواقع ثابت غير قابل لأي تغيير وهو استحالة نشؤ حالات أو ظروف من شأنها “إلغاء” أو “كسر” أو “إطاحة” فريق سياسي وازن بعدما رست المعادلة الداخلية عبر الدورات الانتخابية المتعاقبة على تثبيت الاحجام الراهنة للقوى السياسية. وحتى مع أسوأ ما أصاب النظام الدستوري والعملية الديموقراطية بفعل التمديد للمجلس النيابي، ومن ثم الفراغ الرئاسي وانفجار التداعيات الماثلة في أزمات السياسة والحكم، فإن شيئاً من كل هذا البؤس الديموقراطي لا يعني في المقابل ان لبنان يمكن ان يشهد استعادة لحروب إلغائية يُكسر فيها فريق أياً يكن حجمه وإلا لما تمادت الازمات وسط توازنات غير قابلة للتبدل.

تبعاً لهذه الحقيقة ترانا أمام مهرجانات توظيف سياسية مفتوحة “لا ضرائب معها على الكلام” أسوأ ما تنضح به انها تضع الناس في اجواء تعبئة وتضخيم لا ترقى الى جوهر الوقائع الجادة بأي صلة. وما دام الشيء بالشيء يذكر، فان مجريات الازمة الحالية ليست ولن تكون بحجم أزمات سبقتها في الماضي القريب من مثل واقعة ٧ ايار ٢٠٠٨ أو اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في ٢٠١١ أو حتى احتدام الصراع الداخلي الى حدود بالغة الخطورة حول تورط “حزب الله” في سوريا. وهي نماذج ناطقة حيال استحالة “كسر” أي فريق “الغائه” أو “الانقلاب” عليه على ما تجود به معاجم التضخيم الصارخ في هذه الايام على خلفية الصراع بين العماد ميشال عون وخصومه و”محبيه” سواء بسواء. إنه فصل محتدم وشديد الحدة ويكتسب دلالات ستكون بالغة الدقة بالتأكيد في الصراع الداخلي ومجريات الازمة الرئاسية تحديداً على المستوى الداخلي، وربما تبلغ بخطورتها حدود أزمة نظام. ولكن ألا ترون ان المأزومين على ضفتي الصراع باتوا جميعاً يسابقون اللبنانيين في المنحدر؟ فمن تراه قادراً على الكسر والإلغاء وسائر الموروثات البائدة المماثلة؟