أهل لبنان يتساءلون عن سرّ فشل الوطن في القيام من الموت مرة بعد مرة، وما من صورة لدولة ونظام يحمي الوطن، فالشعب قبائل مذهبية، إقطاعية، والزعماء زعماء قبائل لا أكثر ولا أقل. واهتمامهم يرتكز على ما يجري خارج أرض الوطن، وتتقلب آراؤهم بحسب إنقلاب الحوادث في الأوطان الشقيقة المصابة بفيروس الحروب الداخلية – الخارجية التي تنعكس خلافات سياسية في الداخل اللبناني.
مثلاً: أهل المقاومة الإسلامية ينخرطون في حروب خارج حدود الوطن، يحاربون الدواعش الإرهابيين وغيرهم في سوريا وربما في غير سوريا. وسيلتزمون محاربة داعش مع الجيش اللبناني فيما لو اقترب إلى الداخل. أما زعيم القوات اللبنانية فينتقدهم بقسوة نافياً حاجة الجيش الى مساعدتهم، فالقوات جاهزة للدفاع عن لبنان لو… و”قمح”.
أما الزعيم الشوفي وليد جنبلاط فلا يتوقف عن إرسال تشجيع أثيري الى المعارضة السورية لتستمر في محاربة النظام بعزم وشراسة علها تقضي على ما تبقى من عمران، وتهجّر ما تبقى من أهل سوريا الى ديارنا فنضمهم الى قلوبنا ونستريح. وطبعاً هناك زعماء شوفيون آخرون لا يشاطرونه الرأي أبداً في ما يخص مصير الشقيقة.
ولا ننسى اليمن الذي عرف السعادة قبل زمن بعيد، وأورثنا اليوم إنفصاماً سياسياً بين آذاريين مستقبليين ومقاومة إسلامية، تسبب به تباعد مذهبي بين المملكة السعودية وإيران. ويبدو أن حروب المنطقة المميتة تعود جذورها الى السعودية وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى. جذور مذهبية لا تتوقف عن العودة الى أخضر الحياة في كل العصور، وهي تدل اليوم على تراجع منطقتنا الى الوراء في قفزة مميتة أزاحت الحجاب عن حلم فارسي بالسيطرة على المنطقة، يقابله حلم تركي بالعودة الى أيام السلطنة العثمانية البائدة، وحلم سعودي ملتبس الأبعاد إنما تأثيره واضح في السراء وفي الضراء. وكل هذه الأحلام تسيّرها خيوط دمى خفية تمسك بها أصابع إسرائيل وغرب أثقلت كاهله إسرائيل، إلا أننا نظل لعبته حتى ينضب نفطنا وغازنا.
نعم، من الصعب أن نتفق داخل وطن واحد صغير يدعى لبنان، وبما أننا وحدنا في الشرق أصحاب ديموقراطية عريقة، ننشر دائماً غسيلنا على صنوبر جبال لبنان، السلسلة الغربية والسلسلة الشرقية. ولا يهمنا فعلاً ما نحن عليه: بلا رئيس، وبلا مؤسسات، وبلا أحلام في مستقبل باهت بعد زمن قد يطول الى قرون طويلة. ولا يردعنا ما يحصل لغيرنا من دمار، فيظل بعضنا يشجع القتل والقتال، أما بعضنا القليل القليل فيدرك صامتاً سر عدم قيامنا من موت أصابنا ونحن غافلون… كالعادة.