IMLebanon

درب التغيير الطويل

مضى أكثر من أربعين عاماً على تقسيم الشعوب التي تعتنق الدين الاسلامي إلى مجموعة دول منتشرة من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا، وانتهت سلسلة الدول التي نشأت بعد وفاة الرسول محمد (ص) مع آخر خليفة عثماني. وفي هذه الدول من حكَمَ بعدلٍ وصدق وحقَّق المبتغى الرئيس لوصايا الدين الاسلامي، وفيها من أودَى بالاسلام والمسلمين إلى واقع جعَلهم من أكثر شعوب الأرض تراجعاً وجهلاً. 

إلّا أنّ العالم الجديد شئنا أم أبينا قد حوّل أساس الحكم، دولاً تنقسم بين ديموقراطيات متقدّمة وديكتاتوريات بعيدة كل البعد عن الإيديولوجيا الدينية، ولا مبدأ لها سوى تسخير كلّ عقائد الشعب لخدمة الحاكم واستمراريّته. 

فالدولة العثمانية التي حكَمت العرب مئات السنين، لم تنتج بعد زوالها إلّا مجتمعات متراجعة لم يكن لها همّ سوى همّ دفع الضريبة، ولم تُفكّر يوماً بواقعها أو بمستقبل أفضل. وهذا الواقع كان عامل نجاح الحكّام الجدد لبناء ممالك ودول يحكمها من نَجَح في فرض نفسه محتلاً للفراغ الذي أنتَجه رحيل حكم السلطنة بشعارها الاسلامي. وعملت هذه الأنظمة العربية على بناء دول تدور سياستها ومؤسّساتها واقتصادها حول شخص الحاكم الجديد. 

ثم جاءت قضية فلسطين والظلم الذي لحق بالأرض العربية والشعب الفلسطيني ليكون الصيد الثمين بالنسبة إلى هذه الأنظمة. إذ إنّ العربي، وإن تعرَّض لظلم سيسعى جاهداً إلى مواجهته بكل ما يملك، فكيف إذا رفَع حاكمه شعارات دَحر الظلم ومواجهة الغزاة؟ لكنّ واقع الحال لم يكن كما صوّرته أنظمة الاستبداد. فهي رفعت شعاراتها وزيّنتها بأصوات المقاومة والمواجهة حتى باتت مخدراً لأبناء الدول الذين قبلوا باستبداد الحاكم من أجل مصلحة الأمن القومي وشروط المواجهة مع العدو ومن عاوَنه. 

أما الصهيوني الذي استوطَن أرض فلسطين على أساس ديني عقائدي، فإنه أسَّس لصراع عقائدي طويل مع المسلمين المنتشرين على طول الخريطة العربية، وبالتالي لم يعد للمسلمين هاجس سوى تحقيق العدالة التي يقوم عليها مفهوم الدين الاسلامي. ومن هنا، فإنّ قدرة المستبد على الجمع بين الدولة العسكرية العلمانية والهوية الاسلامية وشعارات المواجهة جعلت منه الحاكم الأبدي العظيم في نظر الشعوب وحمَّست المجتمعات على الصمت أمام كلّ أوجه الاستبداد في سبيل تحقيق الانتصار المرتقب. 

وبعد تعاقب أكثر من أربعة أجيال، انتظرت انتصار الحاكم، لم يكن الواقع سوى أنّ المستبد غرق أكثر في استبداده، وفي الأرض المسلوبة قامت دولة العدو القوية العادلة تجاه شعبها وأصبحت مثبتة وصلبة تُهادن الأنظمة المجاورة أحياناً من فوق الطاولة، وغالباً من تحتها. فأدرك الجيل الجديد أنّ الممانعة لم تكن إلّا على من سبقه من أجيال ورث عنها جهلاً وتراجعاً وتخلّفاً وانعزالاً، ومن هنا بدأ درب التغيير الطويل.