«ربيع التسويات» قادم، لكن ليس في العام 2016. أمام منطقة الشرق الأوسط، عشرة أشهر أو أكثر، من الحروب والمواجهات و«الجليد». هذه المنطقة ولدت في «النار»، وهي محكومة في كل «ولاداتها» بأحكام «النار والحديد». جميع المؤتمرات واللقاءات العلنية منها والسرية، تعمل على إطلاق مسارات للتسويات، لكنها ما زالت بعيدة عن صياغة اقتراح واحد يُجمع عليه طرفان فكيف بعدة أطراف من الوزن الثقيل؟
الرغبات في النجاح متوفرة لدى الجميع، خصوصاً أنه طال «شتاء» الصدامات والحروب. الخوف من المجهول يتعاظم يومياً، في ظل صعود «داعش» ونموه حتى داخل المجتمعات الغربية، مهما اختلفت الظروف والأسباب. الإرادات هي الغائبة الكبرى. لا تحضر الإرادات سوى عند اكتمال «خريطة« توزيع المصالح جدياً.
ما يرفع منسوب التأجيل، أن القوى المعنية من دولية وإقليمية تقف أمام استحقاقات معقدة، وهي متداخلة في الكثير من تفاصيلها بملفات المنطقة المشتعلة. بعض التوضيحات ووضع بعض النقاط على الحروف يؤكدان أن أي طرف على مواعيد داخلية، لا يمكنه الدخول في تسويات حتى تمكّنُه من الوقوف على أرض صلبة.
[ الولايات المتحدة الأميركية: الرئيس باراك أوباما، أصبح حُكْماً «البطة العرجاء» والذي لن يرغب أحد حتى ولو أراد الانخراط في خطة ما في أن يمنحه التزامات وتوقيعات، وهو الذي قبل أن يغادر البيت الأبيض في أواخر كانون الثاني من العام 2017، لا يمكنه ولو أخلاقياً التوقيع على اتفاقية استراتيجية، حتى لا يقيد يدي خَلَفه سواء كان ديموقراطياً أو جمهورياً. أيضاً لن ترغب الأطراف المعنية في أن تعطي لرئيس مغادر ولا يملك اتخاذ القرار المطلوب ومتابعة تنفيذه. الأفضل التفاهم والتوقيع مع رئيس منتخب حديثاً وباق في البيت الأبيض أربع سنوات كاملة.
[ روسيا: «القيصر» فلاديمير بوتين قوي ومصمم على أخذ ما يعتقد أنه من حق روسيا. لكن بوتين غارق في معالجة وضع بلاده الاقتصادي الذي يغرق يوماً بعد يوم، انهيار سعر النفط حشره في زاوية العجز المالي والاقتصادي، طموحه أيضاً يقيده. على «القيصر» التعامل مع أوكرانيا والانتباه الى أوروبا. وفي اقليم «ناغورني كاراباخ»، عليه اخماد الحريق، لأن وقوفه الى جانب أرمينيا يجعله في مواجهة حتمية مع التيارات والقوى الاسلامية المتطرفة في الجمهوريات الاسلامية السابقة من الاتحاد السوفياتي، في وقت رغم كل المجازر التي ارتكبت في الشيشان لم تخمد نارها، وهو نزل في سوريا على أمل محاربة الشيشانيين. فمن هدفه الاستراتيجي في التمدد بالمنطقة.. مشكلة بوتين الكبيرة هي سوريا، حيث الحسم العسكري ممنوع، والحل السياسي بعيد، و»داعش» قوي لأن قرار «الاعدام» معلّق على خفايا وأسرار بعضها غامض وبعضها الآخر مرتبط بالتوصل الى صيغة أميركية روسية نهائية حول مستقبل سوريا والأسد.
[ السعودية: منذ «عاصفة الحزم»، لم تعد السعودية التي كانت. حالياً السعودية تواجه وتحارب وترفض التراجع مهما تعددت الأسباب والضغوط. مع السعودية هذه لا يمكن التوقيع على حلول دون موافقتها على كل نقطة فيها. هذا التحول المهم والعميق يفرض على الآخرين سواء واشنطن أو طهران، قرع أبواب الحلول من موقع آخر، هو ان تصميم السعودية على المواجهة تمهيد لرسم مسار التفاهم على الحلول.
[ إيران: منذ عقد وضعت القيادة الايرانية استراتيجية لها نفذتها بقوة وشراسة ومن دون الأخذ بحجم الكلفة والخسائر المالية والبشرية. في صلب هذه الخطة تمديد الحدود للدفاع عن ايران الى أبعد نقطة ممكنة، والامساك بعناصر داخلية في كل عاصمة حيث من خلالها ومعها التفاوض بقوة على وجودها داخل السلطة والقرار وفي ملفات وعواصم أخرى. سقوط العواصم العربية، سَهل مهمتها الى أن جاءت «عاصفة الحزم».
مشكلة إيران الحالية في الداخل، إيران تقف أمام مفترق طرق وجهاتها مستقبلية. في نهاية أيار، تكون الخريطة السياسية الداخلية قد توضحت أكثر، مما يمكّن من تقرير وجهتها والآخرين من معرفة كيفية التعامل معها سلباً أو إيجاباً.
[ تركيا: حتى إسقاط طائرة السوخوي الروسية، وما تلاها من تطورات خصوصاً في المنطقتين الكرديتين السورية والتركية، كانت تركيا أقوى وأقدر على التفاوض. حالياً تعاني تركيا الكثير مع روسيا وأوروبا. ما لم تمسك أنقرة بورقة تمنحها بعض القوة في سوريا وداخل تركيا مع الأكراد فإنها غير قادرة على الدخول في مفاوضات نهائية وحاسمة.
هذا العجز هو الذي يزيد عزلة لبنان وبقاءه مجمّداً في «الثلاجة». من حظ لبنان أن كل الأطراف تحول دون خروجه من «الثلاجة» قبل الحلول. خروجه من دون اتفاقات يضعه في قلب «النار». أحياناً، ما هو سلبي ومكروه يكون حتى إشعار آخر إيجابياً.