Site icon IMLebanon

صبراً على… الحوار!

انقسام اللبنانيين، من محاولات العودة إلى الحوار بين بعض الأطراف السياسية، ليس مفاجئاً، لأن واقع الانقسامات يكاد يصبح ثقافة دائمة من أدبيات العمل السياسي في لبنان!

ولكن المفاجئ فعلاً، هو اختلاف وجهات النظر، والتقييمات لجدوى الحوار، في ظل الظروف الراهنة، داخل حلقة القيادة للتيارات والأحزاب المقبلة على الحوارات الثنائية، والتي انطلقت من لقاء عين التينة بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، والتي من المتوقع أن تبدأ، خلال الفترة المقبلة، بين التيار العوني و«القوات اللبنانية».

الاختلاف، أو التباين في توقع وتقييم نتائج الحوار، يُدلل على التحدّيات والصعوبات التي تواكب جدول البنود المطروحة على طاولة الحوار، استناداً إلى حجم التراكمات في الملفات الخلافية الأساسية، والتي قد تكون بحاجة إلى بعض الوقت لفكفكتها، ولكنها تحتاج إلى كثير من الحنكة والصبر لمناقشتها!

لا يكفي القول إن حوار «المستقبل» والحزب سيؤدي إلى تنفيس الاحتقان المذهبي في الشارع، ويخفف من أجواء التوتر السياسي، خاصة بعد وقف الحملات الإعلامية المتبادلة.

لأن اللبنانيين ينتظرون الكثير من عودة التواصل بين هذين المكونين على الساحة السياسية، لا سيما وأن تجارب السنوات العجاف الأخيرة، أثبتت أن الخلافات بين هذين الطرفين بالذات، ساهمت، وإلى  حدّ كبير، في إيصال البلاد والعباد إلى الدوامة الراهنة من الصراعات والانقسامات.

 * * *

ولعل أول ما يُراهن عليه اللبنانيون، في هذا السياق، الوصول إلى توافق واضح وحاسم في معالجة الملف الأمني بتشعباته المختلفة، بدءاً من إعادة تفعيل الخطط الأمنية التي أقرّتها الحكومة السلامية، وصولاً إلى الحد من ظاهرة انتشار الفوضى المسلحة في المدن والمناطق ذات الأكثرية السنية، وذلك تحت مسمى «سرايا المقاومة».

في هذا الملف بالذات، فان المطلوب من حزب الله أكثر بكثير مما هو منتظر من تيّار المستقبل، وذلك لعدة أسباب أهمها:

– إن مجموعات «سرايا المقاومة» مموّلة ومنظمة من قبل الحزب بشكل علني وصريح، وبالتالي فان لجم هذه الظاهرة وسحبها من التداول في الشارع السني، سيؤدي إلى موجة ارتياح تتجاوز تنفيس الاحتقان، إلى خلق مناخات لإعادة بناء الثقة، ليس بين الطرفين المتحاورين وحسب، بل وأيضاً بين أبناء المنطقة الواحدة، والشارع الواحد!

2 – إن تعثر تنفيذ الخطط الأمنية مستمر في المناطق البقاعية، حيث السيطرة العملية للحزب وجمهوره على الأرض، في حين أن الخطط المتعلقة بطرابلس ومناطق شمالية أخرى، قد تمّ تنفيذها، طوعاً وكرهاً، وفي الحالتين بدعم وتغطية كاملتين من «تيار المستقبل»، حيث كان رئيسه سعد الحريري دائماً في طليعة الداعمين للجيش والقوى الأمنية في مواجهة المسلحين في بعض أحياء طرابلس، على النحو الذي تم في المعركة الأخيرة الفاصلة، والتي كرّست واقع عدم وجود بيئة حاضنة للسلاح وللإرهاب في مناطق جمهور «المستقبل».

3 – من البديهي أن تشمل مناقشات الملف الأمني الخطة الأمنية المنتظرة لبيروت، والتي كثر الحديث عنها في المناسبات، ولكنها لم تبصر النور بعد، بسبب الواقع الانقسامي بين القوى السياسية المعنية.

 * * *

وقياساً على التعقيدات المحيطة ببعض بنود الحوار الأخرى، من المستبعد أن تصل هذه المحاولة، التي تتسم بكثير من الجدّية، إلى نتائج إيجابية سريعاً، لأن بعض الملفات، وخاصة الاستحقاق الرئاسي، وقانون الانتخابات، تحتاج إلى مشاورات ونقاشات مع حلفاء كل فريق، خاصة الحلفاء المسيحيين الذين يعيشون أجواء حذر، دفعتهم إلى السعي لعقد لقاء حواري بين ميشال عون وسمير جعجع.

غير أن التحلي بالحكمة والصبر وطول الأناة شيء، وإطلاق كلام الإحباط والتشكيك بجدوى الحوار شيء آخر تماماً.

لقد عانى اللبنانيون، في سنوات القطيعة، من نيران الصراعات والانقسامات التي أوصلت الدولة إلى هذا المستوى المريع من التردّي والإرباك، وأودت بالاقتصاد إلى حافة الإفلاس، وضاعفت سلسلة الأزمات المعيشية والاجتماعية التي تُمسك بخناق الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

فهل العودة إلى القطيعة، والتخندق في المتاريس المتقابلة يقود إلى الحلول المنشودة؟

 وإذا كانت البلدان المجاورة، المشتعلة بالحروب الداخلية، تبحث عن الحلول السياسية للخروج من جحيم الاقتتال العبثي، نعمل نحن على تعطيل أية محاولة للحوار السياسي بين الأطراف المتخاصمة؟

* * *

لقد آن الأوان للعودة إلى طاولة الحوار والتوافق، لأن صيغة البلد تقوم على التوازن في المعادلة الوطنية، وعلى اجتراح التسويات للتغلب على الملمات، والخروج من الأزمات!