IMLebanon

الصبور الحكيم الوطني محكوم بدور سيزيف 

طويلة العمر تبدو حكومة الرئيس تمام سلام التي أطفأت شمعتها الأولى. ليس لأنها أثبتت بالأعمال أنها حكومة مصلحة وطنية كما سماها رئيسها بل لأن أصحاب المصالح الخاصة والمرتبطين بمصالح اقليمية قفزوا فوق المصلحة الوطنية في الاستحقاق الرئاسي. فلا أحد يجهل ما في الحكومة من نقاط ضعف وما تحكم بتوزيع بعض الحقائب على هواة من المحظوظين والمحظيين. لكن الكل سلّم بما بدا كأنه معجزة بعد ١١ شهراً من فرض العجز عن التأليف. كان التصور أنها حكومة قصيرة العمر، اذ عليها ان تستقيل حكماً مع بدء ولاية رئاسية جديدة يوم ٢٦ أيار ٢٠١٤. وكانت الصورة الواقعية أمام العارفين ان الرئاسة ليست على جدول الاعمال وان هذه الحكومة هي الآن كل شيء.

وليس من المألوف أن يختصر رئيس حكومة تجربة عام بالقول أنا أتعذب. فمن يعذب تمام بك هم وزراء فوقهم أمراء يمارسون التعطيل المتبادل للقرار. وما يعذبه هو التعثر في انجاز المشاريع الملحة والضرورية للبلد والناس بسبب الاصرار على اتخاذ القرارات بالاجماع، وصعوبة تعديل هذه الآلية التي صارت آلة تعطيل يحتاج اصلاحها الى اجماع. واذا كانت الأولوية التي يستهل بها جلسات مجلس الوزراء هي لانتخاب رئيس يخرج البلد من حال: جسد بلا رأس، فان ما يصطدم به هو ان الحكومة تدير الشغور الرئاسي.

ولا مفاجآت. فالذين فرضوا العجز عن انتخاب رئيس لن يتركوا لمجلس الوزراء القدرة على النجاح في ممارسة صلاحيات الرئيس وكالة. والذين أصرّوا على تضييق أو إلغاء الخيار جعلوا من هذه الحكومة قدر لبنان، وصار قدر الرئيس سلام أن يكون سيزيف اللبناني.

كان سيزيف، حسب الأسطورة الاغريقية، محكوماً بأن يحمل صخرة الى رأس الجبل من دون أن يكون مسموحاً له بايصالها، إذ كانت تتدحرج قبل القمة، وكان عليه أن يستمر في التجربة العبثية. وليس أمام سيزيف اللبناني، في الواقع، سوى حمل صخرة هي حكومة رؤساء تتدحرج في السفح قبل القمة. فلا هو يستطيع أن يستقيل. ولا هو قادر على دفع مجلس الوزراء الى العمل بالطاقة المطلوبة. لا الحكومة تنفجر لأن البديل مستحيل. ولا هي تقوم بواجبها لأن الاجماع يكون بالمحاصصة أو لا يكون.

ولولا مخزون الصبر والحكمة والوطنية لدى تمام بك لأنفجر الوضع الحكومي ودخلنا في الفراغ الكامل. لكن الصبر له حدود. والكل يعرف المثل القائل: إتّقوا غضب الحليم. وقمة التراجيديا أن يمارس العقلاء لعبة المجانين، حسب المثل القائل: عندما يدلّ الحكيم على القمر ينظر المجنون الى الاصبع.