لا تراجع لا مفاوضات لا قبول بأي تسوية، الا اذا انطلقت من العودة الى ما قبل توقيف المطران موسى الحاج، فما حصل هو استهداف غير مسبوق للكنيسة لم تتعرض له حتى في غابر الأزمان واحلكها سواداً. هذا ما يمكن تلخيصه بالنسبة لموقف البطريرك بشارة الراعي بعد الكمين الذي تعرضت له بكركي بتوقيف المطران الحاج، وترجمة هذا الموقف تعني انه لم يعد هناك من ضرورة لأي وساطة ولا لأي مسعى لا ينطلق من حق الكنيسة في رعاية رعيتها في الارض المحتلة، عبر الناقورة التي منها يعبر مطران الاراضي المقدسة وعبرها يعود، من دون اية مضايقة، ومن دون اية ضغوط، ومن دون تحديد وجهة سير بالتوجيه والارشاد.
انقطاع الاتصال الرسمي مع الكنيسة مرشح اذاً كي يطول مع اقفال البطريرك الراعي الباب على سعاة الحلول المجتزأة، فما تعرضت له الكنيسة لم يكن مجرد حادث عابر او عرضي بل كمين مخطط له بعناية، أفصح منفذوه عن هوياتهم الاصلية وخصوصاً «حزب الله» وفريق رئيس الجمهورية دون اي التباس.
لم تكن المعلومات الاولية التي رافقت توقيف المطران الحاج تذهب الى تحميل «حزب الله» المسؤولية، بل اقتصرت على مسؤولية مؤكدة لمقربين من الرئيس عون، تعود الى انزعاج من المواقف الرئاسية للبطريرك الراعي، لكن كما في كل المحطات المفصلية اندفع «حزب الله» عبر بعض المقربين منه والناطقين باسمه ولو من غير صفة رسمية الى شن حملة على البطريرك الراعي والكنيسة، والى ربط توقيف المطران الحاج بالتعامل مع اسرائيل. كانت تلك الحملات أكثر من كافية لربط مسؤولية «حزب الله» بالكمين، علماً أن الربط بين بعض المحكمة العسكرية والحزب ليس بحاجة الى دلائل متينة، فهو جلي.
أما فريق الرئيس عون والابرز منه أي المتضرر من الثوابت الرئاسية للبطريرك، فقد حاول في البداية سلوك الطريق بين النقاط، لعل ذلك لا يكشف الموقف الحقيقي، لكن كل ذلك عاد وسقط بالضربة القاضية، اذ شارك هذا الفريق بالحملة على الكنيسة، واقتصر ما قام به الرئيس ميشال عون باستقبال المطران الحاج، الذي أطلعه على ما جرى، دون ان يصرح من قصر بعبدا، لتقطع بعدها كل قنوات الاتصال بين عون والكنيسة، التي لم تستقبل اي موفد من هذا الفريق، ولم تسمع بأي استنكار جدي، وكأنه مشارك بالفعل بعملية التوقيف لا بل مستفيد منها.
تتحضر بكركي لمواجهة طويلة الامد لأنها تعرف ان من اتخذ القرار بتوقيف المطران، طرف واحد يملك زمام المحكمة العسكرية، وطرف مستفيد سُرّ بالقرار وغطّاه على اكمل وجه. هذه المواجهة سوف تستمر وتتعزز بالتمسك الكنسي بالمواقف والثوابت الرئاسية والسيادية، فبكركي على مر التاريخ خاضت معارك الدفاع عن الكيان والدولة، وهذه لن تكون اكثر من محطة اضافية، يسجل فيها وافد جديد اسمه على سجل طويل فيه الكثير من اسماء الطغاة.
من المتوقع تبعاً لهذا الثبات الكنسي أن تكون للبطريرك الراعي مواقف عالية الوتيرة في ذكرى تفجير المرفأ في 4 آب، سوف تكون استمراراً لما سبق أن عبر البطريرك الراعي عنه، وتحمل المناسبة معنى جديداً هذه السنة، معنى مقاومة طمس العدالة واستخدام القضاء لتحقيق مآرب وفتن، وزرع ألغام وطنية بالغة الضرر، وهذا ما سيحتم على الكنيسة رفع الصوت اكثر، بعد ان وصل الاستهداف الى تجاوزالخطوط الحمر، بحيث بات «حزب الله» يعتقد أن على رجل دين برتبة مطران ان يرسم خط سيره بتوجيه من الحزب.