مع تقدم عداد الايام الفاصلة عن نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والحديث المتزايد عن عجز القوى السياسية المتوقع والمرجح عن انتخاب رئيس، وربطا بالجدل القائم حول «جنس الحكومة»، ترتفع وتيرة الشحن الكلامي ومحاولات القنص والتصويب على بعبدا، املا في دفعها الى ارتكاب «فول»، خصوصا بعد انقضاء ايام عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، دون ان يبادر الرئيس الى تحديد اي جلسة، رغم ما سبق وسرّب عن الاول من ايلول انه سيكون فاتحة الجولات الانتخابية.
من بين الداخلين على خط المعركة، ومن اول من افتتحها، بطريرك بكركي ومتروبوليت بيروت، حيث يبدو التناغم واضحا بينهما، سائران على الايقاع و»الخط» نفسه في مواقفهما وعظاتهما، تواكبهما بيانات مجلس المطارنة الموارنة، التي باتت مهمتها دق ناقوس الخطر، تاركة للراعي تحديد السقف واللهجة في عظاته واطلالاته، حيث من الواضح ان الاخير يتخذ في تحديده لمسار معركته خطا تصعيديا بلغ ذروته يوم الامس.
ففي معرض حديثه عن صفات الرئيس التي تتبلور يوما بعد يوم صورته، لفت البطريرك الراعي الى انه يجب ان يكون «رئيسا من البيئة الوطنية الاستقلالية»، ما اعتبره البعض حرقا لبعض الاسماء واخراجا لها من ميدان السباق، رغم انه عاد واعتبر ان ما قاله ينطبق ايضا على «سليمان بيك» لما لا. اما النقطة الثانية البارزة والتي فسرها الكثيرون «على ذوقهم «، فكانت في رسالته الى الرئيس ميشال عون» لينهي عهده كما يجب»، ما طرح علامات استفهام كثيرة في ظل «الضياع» عن تقدير ما قد يقوم به «جنرال بعبدا» من خطوات بين حدي قراره النهائي بترك بعبدا من جهة، واصراره على عدم تسليم السلطة للحكومة الميقاتية من جهة ثانية.
مصادر مقربة من الصرح اشارت الى انه فيما يتعاظم حجم القناعة بعدم امكان الاتفاق بين الاطراف السياسية، نتيجة الوقائع والمعطيات والمواقف المعروفة الى حدود التناقض، مع تولد قناعة موازية بعدم رغبة المعنيين بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تدير السلطة في الفراغ الرئاسي اذا حصل، يعززها الفشل المتكرر لاجتماعات بعبدا الرئاسية بفعل المطالب والمطالب المضادة، تجد بكركي نفسها مضطرة للتدخل ولرفع الصوت، «محرضة» الشعب اللبناني على التحرك بعدما فشل السياسيون عن تحقيق اي انجاز.
المصادر التي ابدت حذرها من عدم وجود اي جدية حتى الساعة فيما خص توجيه الدعوات لعقد جلسات لانتخاب رئيس، اعربت عن خوفها من تمرير الوقت بحجة عدم الاتفاق على اسم، فيقع محظور الفراغ عن سابق اصرار وتصميم، مرحبة في الوقت ذاته بحركة النواب «الاصلاحيين» الذين يحاولون كسر الجمود، ملبين في مكان ما نداء البطريرك الى اللبنانيين لرفض الفراغ وعدم السكوت.
المصادر التي توقفت عند الاجتماع المنتظر في دار الفتوى، متريثة في اطلاق اي موقف قبل ان يصدر البيان ليبنى على الشيء مقتضاه، متوقفة باهتمام عند بيان الخارجية الاميركية الذي جاء لاول مرة ليدفع باتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده،آملة ان يكون مشابها للضغط الذي مورس لانجاز الانتخابات النيابية في موعدها.
عليه، فان بكركي «سائرة والرب راعيها» وفقا لمخططها المرسوم، القائم على استراتيجية جديدة تختلف عن تلك السابقة التي على اساسها خاض «من اعطي له مجد لبنان» الاستحقاق الرئاسي لعهود ما بعد الطائف، دون ان ينجح مرة في تغيير المكتوب . فهل تحصل المعجزة هذه المرة؟